تشهد منطقة الشرق الاوسط الأن صراعات عديدة، ولكن يبقى أبرزها ثلاث، ولتكن البداية بصراع الغاز بعد أن عاد التركي لبيته يجر ذيل الهزيمة بعودة سفينة التنقيب “عوروج ريس” الى أنطاليا، بعد فشل في مهمة إستكشاف الغاز بالمتوسط، وفشل سياسي أيضا بعد أن عززت اليونان من قوتها العسكرية في جزر بحر إيجة، لتضييق الخناق البحري على تركيا.
بينما صار للقاهرة الريادة في غاز المتوسط كما وكيفا، بحكم أنها صاحبة الإحتياطات الأضخم على الإطلاق من الغاز في المتوسط، وهي تسابق الزمن كي تكون أكبر مورد للغاز في العالم قبل 2030م، ولأن السيطرة باتت لها بعد أن وقع سفراء دول “منتدى غاز شرق المتوسط” على ميثاق تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة، وإعلانها إمتلاك مجموعة من الأدوات الهامة للدفاع عن مصالح الدول الأعضاء بالمنتدى.
وأهمية غاز المتوسط أزدادت في ظل فقر أوروبا من الغاز، ورغبة الأمريكي في إخراج أوروبا من سيطرة الغاز الروسي، وهنا لا بديل للقارة العجوز عن غاز المتوسط، ولذلك لم تنتشر الفرقاطات والمدمرات الفرنسية والأمريكية والروسية في مياة شرق المتوسط خشية من قيام حرب بين تركيا واليونان، بقدر السيطرة على النقطة الهامة التي سيمر منها انابيب الشرق المحملة بالغاز المسال نحو أوروبا.
كحال الولايات المتحدة عندما سحبت جنودها من المانيا عقابا لها على التشبث بالغاز الروسي، فتم نقل جزء من هولاء الجنود الى بولندا التي تنفذ مشروع “أنبوب غاز البلطيق” والذي يهدف لإخراج دول بولندا، الدنمارك، النرويج، وأوكرانيا من هيمنة الغاز الروسي، والمقرر عمله في أكتوبر 2020 مع نهاية عقود عمل شركة “غازبروم” الروسية في بولندا،
والجزء الأخر من الجنود تم نقله الى أيطاليا حيث بوابة غاز شرق المتوسط لأوروبا، كي يضع الأمريكي يده مبكرا على بوابات مصادر الطاقة القادمة للقارة العجوز.
بينما جائت ساعة الصفر لصراع الموانئ مع إنفجار مرفأ بيروت، فما كان تفجير المرفأ إلا إعلان عن بدء ذلك الصراع الشرس، وما جاء التطبيع الإماراتي الإسرائيلي إلا تأكيد عليه، لتكون ميناء “حيفا” و”دبي” بمعادلة واحدة، وهناك مشاريع كبيرة تطرح في الكواليس لربط موانئ الخليج بإيلات وحيفا.
ولذلك جاء لقاء الرئيس المصري يوم 9سبتمبر مع مدير عام شركة “ديمي” البلجيكية (أكبر شركة في أوروبا لبناء الموانئ) للاتفاق على تطوير وتوسعة ميناء خليج أبو قير، كخطوة تأتي بالتكامل مع إتفاق مصر مع شركة “هاتشيسون” الصينية لإقامة أكبر محطة تداول حاويات بالمنطقة في ميناء أبو قير بسعة تداول 2 مليون حاوية سنويا، في نفس سياق صراع الموانئ.
وتهدف الخطوة الشطرنجية السريعة الى أن يكون ميناء أبو قير الأكبر في البحر المتوسط، ليرتقي بالتصنيف العالمي للموانئ المصرية إلى المستوى الأول، وبالتأكيد هي خطوة تحسب للقاهرة.
ومن صراع الطاقة للموانئ الى صدام البوارج، وسعي كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا في ملئ أكبر مساحة بشرق المتوسط بأدواتها البحرية، كحال الشطرنج إن لم تستطع إسقاط قطعة من الخصم، فعلى الأقل حاول ملئ الرقع الفارغة، كي تشدد الحصار على الخصم، وهو ما تجلى في زيارة وزير الخارجية الروسي لقبرص 8سبتمبر الماضي، قبل زيارة نظيره الامريكي لنفس الجزيرة بـ73ساعة، كي نكتشف جزء من اتفاق يدور بين الكبار يهدف لترك قاعدة الجفرة الى روسيا مقابل خروج روسيا من قبرص، كي يتحقق هدف بوتين الثاني في الشرق الأوسط بعد أن وضع قدمه الاولى في سوريا، بوضع قدمه الثانية بالجفرة، لتحقيق حلم قديم فشل الروسي في تحقيقة في الاسكندرية وفي أم البواقي الجزائرية وفي بنغازي السنوات الماضية.
وإن لم يتم التأكيد على تلك الصفقة بين الكبار، فيبقى صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن في جزيرة قبرص مؤكدا، بعد أن أعلن بومبيو أن دعم بلاده لقبرص ضد تركيا مرهون بتخلي قبرص عن دعم روسيا في المتوسط، فقبرص تحتوي على مركز للتجسس وأمن المعلومات لخدمة البحرية الروسية المتواجدة من سواحل سوريا وحتى سواحل قبرص، فتأمين السفن الروسية بتلك المياة يأتي من قبرص، وهناك أتفاقات أمنية ودفاعية وإستخبارتية بين قبرص وروسيا.
وأخيراً وليس آخراً جاء مسك ختام تلك السلسلة المتنوعة من الصراعات بعنوان “الحرب الالكترونية”، ولنا في معارك غرب ليبيا وإقليم ناغورنو كارباخ بين اذرابيجان وأرمينيا دلالات لا اول لها من اخر في ماهية وشكل الحروب العسكرية القادمة، في ظل ما تشهده طائرات الدرونز من تطور رهيب.
فادي عيد
الباحث والمحلل السياسي لشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا