القاتل ضابط شرطة بريطانى. وبعد أن تعاملت الشرطة البريطانية، السبت الماضى، بعنف مفرط، مع وقفة لتأبين الضحية، اجتمع مجلس العموم «البرلمان»، أمس الأول الإثنين، لمناقشة مشروع قانون يمنح تلك الشرطة كثيرًا من الصلاحيات لتقييد الاحتجاجات السلمية. وتحولت قلوب المنظمات الحقوقية من الأخضر الفاقع إلى الأصفر الباهت، وتلبستها أرواح القردة اليابانية الثلاثة، ميزارو، كيكازارو، وإيوازارو، التى لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم.
ضابط الشرطة البريطانى، وين كازنز، ٤٨ سنة، اختطف سارة إيفرارد، ٣٣ سنة، أثناء عودتها إلى منزلها فى جنوب لندن، فى التاسعة والنصف مساء ٣ مارس الجارى، وبعد أن هزّ اختفاؤها المملكة، أعلنت الشرطة البريطانية، الجمعة الماضى، عن عثورها على «بقايا بشرية» تعود للضحية. ومن المفترض أن يكون التحقيق قد بدأ، أمس الثلاثاء، مع القاتل، الذى لا يزال قيد الاحتجاز، بينما تم الإفراج المشروط عن شريكته أو المتهمة بمساعدته.
شرطة العاصمة البريطانية تعاملت بعنف مفرط، كما أشرنا، مع وقفة تأبين إيفرارد، يوم السبت، بزعم أنها غير قانونية وتنتهك القيود المفروضة لمواجهة «كورونا المستجد». وأظهرت مقاطع فيديو أفراد شرطة يقتادون نساء مكبلات الأيدى. وعلى خلفية أصوات تردد «عار عليكم»، «اتركوهن»، تحركت سيارات الشرطة بعد امتلائها. وخلال تلك المعجنة، تم طرح عدد من المتظاهرات أرضًا، وتكرر مشهد الضابط الأمريكى، الذى ظل يضغط بركبته على رقبة جورج فلويد، حتى مات. بالضبط، كما ارتكب الضابط البريطانى جريمته بالطريقة نفسها، التى يقتل بها رجال الشرطة الأمريكيون البيض مواطنين من ذوى البشرة السمراء، نساءً ورجالًا.
حدث مثلًا، فى مثل هذا الشهر، العام الماضى، أن قام ثلاثة ضباط شرطة أمريكيون: جوناثان ماتينجلى، مايلز كوسجروف، وبريت هانكيسون، بقتل المواطنة السمراء بريونا تايلور، ٢٦ سنة، بعد أن اقتحموا منزلها بولاية كنتاكى. وحين اندلعت المظاهرات احتجاجًا على وحشية الشرطة الأمريكية وعنصريتها وانعدام المساواة بين الأعراق، تم اعتقال عدد كبير من المتظاهرين، وتدخلت قوات الحرس الوطنى، بآلياتها ومدرعاتها، بزعم الحفاظ على الأمن.
الضابط البريطانى وشريكته وقد يكون معهما آخرون، قتلوا سارة إيفرارد، إذن، كما لو كانت أمريكية سمراء. وكنا قد أشرنا، أمس، إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة عضوان فى تحالف «العيون الخمسة» المخابراتى، الذى يضم أيضًا كندا وأستراليا ونيوزيلندا. وقلنا إن الدول الخمس لديها قوانين لمكافحة الإرهاب، تجيز استجواب المتهمين تحت التعذيب، وتتيح للأجهزة الأمنية احتجاز المشتبه بهم دون محاكمة، وتمنح أجهزة المخابرات سلطات واسعة فى تعقبهم أو استهدافهم، ونسينا إضافة «التصفية» الجسدية أو المعنوية إلى القائمة.
كان سبب تلك الإشارة، أمس، هو أن الدول الخمس، أو عصابة الخمسة، قامت بالتوقيع على ذلك البيان العبثى، الذى قدمته فنلندا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان فى مصر. وعليه، انتظرنا تعليقات نارية على الانتهاكات المؤكدة التى ارتكبتها بريطانيا، لكن لم يصدر أى تعليقات، نارية أو مائية، إلى الآن مع أن الأستاذة سانا مارين، رئيسة وزراء فنلندا، فى مثل سن الضحية البريطانية، تقريبًا. كما لم نسمع صوت إمارة ليختنشتاين أو البوسنة والهرسك وباقى الدول، الموقعة على البيان، سواء تلك التى لا يعرف أحد مكانها على الخريطة، أو التى يخرج فيها المواطن من بيته وتقترب نسبة عودته حيًا من الصفر.
رسميًا، قيل إن «هيئة تحقيق مستقلة» فتحت تحقيقًا، لمعرفة ما إذا كانت الشرطة عالجت القضية بطريقة مناسبة أم لا. بينما غابت أصوات متعهدى حقوق الإنسان الدوليين، وأتباعهم أو عملائهم المحليين، وتلبستهم أرواح القردة اليابانية الثلاثة، كما قلنا فى البداية، وكما سبق أن تعاملوا مع حوادث وأحداث وجرائم كثيرة شبيهة تخص محركيهم أو أولياء نعمتهم.
فوق ذلك، وجدنا الصحف البريطانية، التى تخصص افتتاحياتها لـ«الولولة» على أى نملة «تكعبلت» فى مصر أو السعودية أو… أو… أو الصين أو روسيا، تجتهد لتغييب صفة الجانى وممارسات الشرطة، وحوّلت النقاش إلى عنف الرجال، فى المطلق، ضد النساء. وقامت جريدة «التايمز»، مثلًا، بضم الضحية إلى قائمة تضم ١١٨ أخريات، قتلهن رجال خلال العام الماضى، وهى القائمة التى تتلوها النائبة العمالية جيس فيليبس، أمام مجلس العموم البريطانى، سنويًا، بمناسبة اليوم العالمى للمرأة. وفى مقال نشرته الجريدة، السبت الماضى، أعربت جانيس تيرنر عن أملها فى أن تؤدى وفاة سارة إلى تقليص عدد أسماء قائمة العام المقبل، إلى النصف!.
.. وأخيرًا، ندعو مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إلى التركيز قليلًا مع بريطانيا أو الولايات المتحدة والتعاون البناء معهما، حتى يستحق اسمه، وكى ينفى عن نفسه اتهامات الخارجية الأمريكية له، فى ١٩ يونيو ٢٠١٨، بأنه مجلس للنفاق، ومستنقع للتحيزات السياسية.
نقلا عن جريدة الدستور المصرية