تبرز قوة المجتمع المدنى من بين المقاييس المعمول بها لتمييز المجتمعات المتقدمة عن غيرها من المجتمعات؛ ومن ثم فإن فعالية منظمات المجتمع المدنى، ومصداقيتها، وارتفاع منسوب القناعات الرسمية وغير الرسمية بأهميتها تُشير بجلاء إلى صحة خطوات الدولة على طريق التنمية المستدامة المنوط بها تحقيق التطلعات الشعبية المشروعة صوب مستويات معيشية أرقى، بل وإلى جودة الحياة بشكل عام.
من جهة أخرى، يُعد المجتمع المدنى القطاع الثالث فى المجتمع إلى جانب الحكومة وقطاع الأعمال؛ ومن ثم فهو الشريك الشعبى فى الجهود التنموية التى تبذلها المؤسسات الرسمية للدولة، بما يضمه من منظمات غير حكومية، لا تسعى الدولة إلى التدخل فى أعمالها بقدر ما تنهض به من إشراف ورقابة مانعة للفساد والانحراف عن مبادئ وأهداف العمل الأهلى.
وتعترف المنظمة الأم، الأمم المتحدة، بالمجتمع المدنى كشريك على المستويين المحلى والدولى. فكما تشارك منظمات المجتمع المدنى المؤسسات الرسمية فى العديد من المشروعات التنموية والحقوقية، فإن الأمم المتحدة دائماً ما تقوم بمشاركة منظمات المجتمع المدنى أدوارها سواء بالحصول على مركز استشارى مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة، خاصة فى مجال حقوق الإنسان، أو من خلال التعاون مع إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمى التى تربط المنظمة الأم بنحو 1500 منظمة من منظمات المجتمع المدنى فى مختلف أنحاء العالم.
وإيماناً بأهمية المجتمع المدنى، وفعالية دوره فى التنمية، محليا وعالمياً، زاد اهتمام البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى السنوات الأخيرة، بدعم وتعزيز جهود المجتمع المدنى، سواء بالاستفادة من الخبرات المُميزة التى تضمها منظمات المجتمع المدنى والتى ينبغى على المؤسسات الرسمية طلب مشورتها فى كثير من المشروعات والأنشطة، أو بما يمكن أن تقوم به منظمات المجتمع المدنى من مُساءلة سواء للجهات الرسمية أو الدولية، أو بدورها فى توعية المجتمع بأدوار المؤسسات الدولية فى التنمية المحلية، وأهمية التوافق معها. ولذلك تبرز رؤى رصينة تطالب بمنح مقاعد لمنظمات المجتمع المدنى فى بعض الهيئات الدولية.
وعلى المستوى الوطنى، حدث نمو ملموس فى التطور الكمى والنوعى للجمعيات الأهلية فى مصر، حيث بات لدى مصر أكثر من 50 ألفًا وخمسمائة جمعية أهلية متنوعة الأنشطة، تجمع فى طياتها بين العمل الخيرى والعمل التنموى، وأصبحت الدولة بالفعل تنظر بتقدير واهتمام إلى منظمات المجتمع المدنى، سواء لما تقوم به منفردة، أو بالمشاركة مع مؤسسات الدولة. وعلى ذلك؛ فإن المناشدة بدعم وتعزيز ثقافة العمل الأهلى لا تُعد رفاهية يمكن الاستغناء عنها تحت ضغط كثرة ملفات العمل العام وتشابكها وتعقدها؛ إذ ليس فى غياب مجتمع مدنى فاعل وبقوة يمكن النهوض بمسؤولية التنمية المُستدامة التى تتعلق بها خطط التنمية الطموح التى تتبناها مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
غير أن تطوراً نحو الأفضل نرجوه من جانب قطاع الأعمال الخاص فى علاقته بالعمل الأهلى، باعتباره ضرورة لا زائدة مجتمعية، بما يُجسد به شعوره «الصادق» بالمسؤولية المجتمعية الواجبة نحو وطن عانى الكثير، وبات يسعى بكل قوته صوب تنمية مُستدامة تحقق قفزات غير مسبوقة لطالما عبر عنها الطموح الشديد الذى يتميز به حكم الرئيس السيسى، حتى أصبح لزاماً على قطاعات المجتمع الثلاثة، المدنى والرسمى والأعمال، ملاحقته والعمل بأدواته وآلياته بكل صدق وأمانة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإنتاج منظومة تشاركية تكاملية، بها ومعها نستشرف مستقبلاً مُشرقاً يجسد بحق ما نادت به ثورة الثلاثين من يونيو من قيم ومبادئ سامية، انتصرت للهوية الوطنية وعناصرها، وعلى رأسها الدولة المدنية. وأعلت من العدالة الاجتماعية وأدواتها، وفى القلب منها ثقافة العمل الأهلى.
– نقلا عن المصري اليوم