اعد الدراسة عبد الناصر قنديل مدير المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية
مقدمة
تمثل ( الجهوية ) بما تتضمنه من خصائص سكانية أو مهنية أو عمرية أو فئوية عنصرا بالغ الأهمية في تحليل المشهد البرلماني وتوقع أدوات وآليات التعامل معه سواء علي مستوي طرح القضايا والاحتياجات الأولي بالرعاية والاهتمام التنفيذي أو علي مستوي تكوين الانحيازات وتكوين وجهات النظر تجاه المعروض من تشريعات وسياسات عامة بما يجعل من تحليلها واستنباط نواتجها ودلالاتها عنصرا بالغ الأهمية في تقييم التجربة أو الوصول لتصور حول مستقبلها وقدرتها علي تحقيق انطباع مجتمعي داعم وايجابي تجاه المجلس وأداءاته كمعبر عن الإرادة الشعبية ومتحدث باسمها .
من هذا المنطلق تتبدي الأهمية التي تمثلها القراءة الرقمية والإحصائية للأداءات النيابية مع بداية الفصل التشريعي الحالي خصوصا في ظل وجود قضية متكاملة تصلح أن تكون أداة موضوعية للقياس والتحليل والاستنتاج مثل تقييم السياسات الحكومية وأداءات التركيبة الوزارية في انجاز البرنامج الحكومي ( 2018 ـ 2022 ) في سلوك برلماني غير مسبوق ويظهر اعتماد منهجية موضوعية في بيان الموقف الشعبي مما يتم من خطط وبرامج وأيضا تجاه القائمين علي تنفيذها كمرشد أو دليل يقدم لمؤسسة الرئاسة تصور موضوعي داعم للقرار المتعلق بتطوير التركيبة الوزارية أو استبدالها .
ـ تحليل مدد انعقاد الجلسات
طوال الفصل التشريعي ( الأول ) ظلت مسألة انتظام جلسات البرلمان وقدرة المجلس علي إلزام النواب بالحضور وفقا للمواعيد التنظيمية المحددة للانعقاد قضية تنال من صورة ومكانة المجلس شعبيا خصوصا مع التأخيرات والتأجيلات غير المقبولة في بدء انعقاد الجلسات أو في مناقشة التشريعات والقوانين والقيام بالمهام والأدوار البرلمانية وهي أزمة تركت أثرها السلبي والمحبط بالنسبة للجلسات التي تستوجب أغلبيات عددية خاصة حددتها اللائحة للدرجة التي جعلت الدكتور علي عبد العال رئيس المجلس يهدد ـ في أكثر من موقف ـ بإعمال النصوص اللائحية أو بتعليق أسماء النواب غير الملتزمين خارج القاعة وإبلاغ وسائل الإعلام دون أن يغير ذلك من الأمر شيئا .
غير أنه مع بداية عمل المجلس الحالي وانتخاب المستشار حنفي جبالي لرئاسته فقد أكد علي منهجه في الالتزام الصارم بانعقاد الجلسات في مواعيدها ( نريد أن نعطي مظهر حضاري لجميع النواب سواء في الداخل أو الخارج ونرجو الالتزام ليس بالدقيقة ولكن بالثانية في موعد انعقاد الجلسات البرلمانية ) بل وانتقل بالتنبيه إلي منطقة التحذير بقوله ( سنكرر التنويه عدة مرات ثم نتوقف أملين في أن يلتزم الجميع بالتقاليد البرلمانية ) وهو ما ترك أثره علي التزام النواب بل ومنح انطباعا بصورة برلمانية أكثر تألقا وانضباطا من المجلس السابق تضاف للرسائل الايجابية التي تواترت رغم قصر مدة انعقاده ( زمنيا )
ولقد انعكس هذا الالتزام والخطاب التنظيمي الحاسم في إرساء قواعد انضباطية بصورة رقمية علي أداء المجلس حيث شهدت فترة التقييم الحكومي ومناقشة الوزراء انعقاد عدد ( 22 ) جلسة عامة كان من اللافت أن من بينها ( 13 ) جلسة بدأت في موعدها اللائحي المحدد دون أي تأخير في سابقة ايجابية تعكس مدي انضباط النواب وحرصهم علي الالتزام في ظل وضوح حسم وإصرار رئاسة المجلس علي تحقيقه كمعزز ايجابي لمكانة وإدارة المستشار حنفي جبالي للجلسات .
بينما شهدت ( 9 ) جلسات تأخر المجلس في بدء جلساته لمدة تتراوح بين ( 5 ) دقائق ( مرة ) و ( 10 ) دقائق ( 5 ) مرات و ( 15 ) دقيقة ( مرة ) و ( 25 ) دقيقة ( مرة ) فيما كان أقصي تأخير في بدء الجلسة الرابعة التي تأخرت ( 40 ) دقيقة كما كان من الملاحظ أن تلك التأخيرات انحصرت في الجلسات ( العشر ) لتتوقف تماما بداية من الجلسة ( 12 ) بما يكشف عن التزام النواب بالقواعد بعد اختبار مدي التزام قيادة المجلس بإعمالها وهي رسالة شديدة الأهمية حول مقتضيات ومهارات رئاسة المجلس وأيضا متطلباتها .
ليصل مجموع مدد التأخر إلي ( 135 ) دقيقة بما يعادل ( 2,15 ) ساعة بينما بلغ مجموع زمن انعقاد الجلسات ( 8,945 ) دقيقة تعادل ( 149,5 ) ساعة الأمر الذي يشير إلي أن كل جلسة استغرقت ( 407 ) دقيقة أو ( 6,47 ) ساعة في رقم يكشف عن ايجابية الأداء وسخونة النقاشات وتنوع وجهات النظر حيث أتت الجلسة ( 19 ) كأطول الجلسات زمنيا ( 12,30 ) ساعة حيث خصصت لمناقشة وزيري ( الكهرباء ـ الإسكان ) تليها الجلسة ( الأولي ) بزمن ( 11,45 ) ساعة والتي شهدت حزمة الإجراءات التنظيمية لافتتاح الفصل التشريعي من حلف اليمين إلي انتخاب هيئة المكتب بداية من رئيس المجلس ثم الوكيلين تليها الجلسة ( 18 ) بزمن ( 10,30 ) ساعة والتي شهدت مناقشة وزيري ( الأوقاف ـ التجارة والصناعة )
في المقابل فقد أتت الجلسات ( 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6 ) كأقصر الجلسات زمنيا بزمن ( 10 ـ 15 ـ 20 ـ 30 ـ 45 ) دقيقة ( علي التوالي ) باعتبارها جلسات إجرائية حددت توقيتاتها وطبيعة المهام والأنشطة التي تمارس فيها لائحة المجلس الداخلية لكونها مخصصة لإبداء رغبات عضوية اللجان النوعية وإعلان قوائمها وإجراء انتخابات هيئات مكاتبها ولا تتضمن أي نقاشات أو حوار في قضايا العمل النيابي إلا بقدر ما قد تستدعيه الأحداث الطارئة والعاجلة التي تستلزم موقفا سريعا من البرلمان ( وهو ما لم يحدث سوي لمرة واحدة تطلبت حديثا في اللائحة من قبل وكيل المجلس إضافة لاقتراح وحيد من قبل زعيم الأغلبية وممثل الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن )
ـ التحليل الجغرافي لمحادثات النواب
تمثل المنهجية الوطنية لإقرار قواعد التقسيم الإداري للبلاد أحد المعضلات الرئيسية التي تواجه المشرع عند وضع النظام الانتخابي وتحديد نطاقات الدوائر أو حصص كل منها من المقاعد كنتيجة طبيعية لغياب العدالة والمساواة المكانية والجغرافية بين المحافظات وتغير مساحاتها وعدد سكانها وفق مؤشرات النشاط الاقتصادي والبيئي وهو ما كان سببا في تفاوت وتباين صارخ في عدد المقاعد والمساحات الجغرافية المخصصة لكل محافظة أو دائرة انتخابية .
ومع الذهاب لكل عملية انتخابية وطنية كانت الاعتراضات والرفض الناتج عن عمليات التقسيم أو التداخل بين النطاقات الجغرافية بما يصاحبها من سمات سكانية وعشائرية سمة غالبة علي المشهد وسببا في غياب الرضاء المجتمعي عن المشهد الانتخابي ونواتجه ليأتي دستور 2012 محاولا وضع قواعد تنظيمية ضامنة للعدالة والمساواة في الحصص العددية للنواب حيث نصت المادة ( 113 ) على أن ( يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوًا يُنتخبون بالاقتراع العام السري المباشر ويشترط في المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون …….. ويبين القانون شروط العضوية الأخرى ونظام الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات ) قبل أن تطوره المادة ( 102 ) من دستور 2014 بمزيد من التخصيص والقواعد حيث نصت علي أن ( يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوًا يُنتخبون بالاقتراع العام السري المباشر ويشترط في المترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون …….. ويبين القانون شروط الترشح الأخرى ونظام الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين )
غير أن واقع التطبيق لتلك النصوص الدستورية قد شهد عوائق وعثرات أكبر كانت سببا في أحكام قضائية ببطلان عمليات الدعوة لإجراء الانتخابات كأثر ناتج لعمليات تقسيم الدوائر الانتخابية وعدم عدالتها وفقا للنص الدستوري ليجد المشرع نفسه مضطرا للتداخل ( ثانية ) وطرح تعديل دستوري 2019 بمقتضاه تم إلغاء عبارة ( التمثيل المتكافئ للناخبين ) بما استتبعها من إعادة رسم وصياغة الدوائر الانتخابية لتتوافق مع نظام الانتخاب ( المختلط ) وعدد المقاعد المخصصة لكل محافظة .
ليصدر القانون ( 174 ) لسنة 2020 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب متضمنا الجمع بين نظامي الفردي ( 284 ) مقعد توزعت بين ( 143 ) دائرة انتخابية بحيث أصبحت هناك ( 44 ) دائرة تنتخب كل منها نائب ( واحد ) وعدد ( 62 ) دائرة تنتخب كل منها نائبين ( اثنين ) وعدد ( 32 ) دائرة تنتخب كل منها ( ثلاث ) نواب وعدد ( 5 ) دوائر تنتخب كل منها ( 4 ) نواب فيما خصص لنظام القوائم المغلقة المطلقة ( 284 ) مقعد توزعت بين ( 4 ) دوائر جماعية موسعة بينها ( دائرتان ) تنتخب كل منهما ( 100 ) نائب و ( دائرتان ) تنتخب كل منهما ( 42 ) نائب إضافة لأحقية رئيس الجمهورية في تعيين ( 28 ) نائب بما يعادل ( 5 % ) من إجمالي المقاعد المنتخبة ليصل إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب إلي ( 596 ) مقعد .
وبتحليل حصص ونسب المقاعد الانتخابية وفقا لقواعد العدالة السكانية والجغرافية التي حددت النصاب العددي لكل مقعد بالمجلس ( 143,166 ) مواطن لنجد أن محافظة القاهرة قد استحوذت علي النسبة الأكبر بعدد ( 62 ) مقعد تليها محافظة الجيزة ( 48 ) مقعد ثم الشرقية ( 42 ) والدقهلية ( 38 ) والبحيرة ( 38 ) بينما أتت ( 4 ) محافظات ( بورسعيد ـ السويس ـ الوادي الجديد ـ جنوب سيناء ) بحصة هي الأقل عدديا داخل المجلس وفقا لمتوسط سكانها بعدد ( 4 ) مقاعد لكل محافظة منها .
ولقد انعكس هذا التفاوت والاختلاف في حصص المقاعد للمحافظات خلال جلسات تقييم الأداءات الحكومية حيث توافقت الاتجاهات العامة للإقبال علي المشاركة والحديث من قبل النواب في الجلسات مع الأعداد الخاصة بكل محافظة فأتت القاهرة كأكثر المحافظات تفاعلا بعدد ( 42 ) نائب انطلاقا مع كونها الأكثر عددا والأكثر سكانا إضافة لاعتبارها ـ كعاصمة وطنية ـ هي الأكثر احتياجا ومطالبا تليها الجيزة بعدد ( 39 ) نائب ثم الدقهلية ( 34 ) والشرقية ( 32 ) والبحيرة ( 28 ) وهي أرقام تتناسب مع تراكم الخبرات النيابية لتلك المحافظات وعدد نوابها الأكبر ضمن التركيبة البرلمانية إضافة لتناسبه مع حجم الاحتياجات والقضايا المجتمعية التي تحتاج لمساندة وتدخل تنفيذي من أجل الوفاء بها بينما كانت المحافظات الأقل من حيث ( عدد ) تفاعلات النواب لمحافظة الوادي الجديد باعتبارها الأقل علي مستوي كافة المحافظات بعدد نائبين ( اثنين ) تليها جنوب سيناء ( 3 ) والسويس ( 3 ) وبورسعيد ( 4 ) تجمعها الطبيعة الحدودية وقلة أعداد القاطنين مع غلبة التركيبة العشائرية والقبلية بما يستتبعها من إحساس بالاستغناء وعدم الحاجة لمساندات قطاعية في ظل نظام للتكافل والدعم القائم علي روابط المصاهرة والدم .
الجدير بالاهتمام هنا أنا محافظتي ( بورسعيد ـ السويس ) رغم كونهما ضمن ( أقل ) المحافظات من حيث عدد طالبي التحدث من النواب وأيضا من حيث العدد الإجمالي للمداخلات إلا أنهما تميزتا عن باقي المحافظات بكونهما المحافظتين الوحيدتين اللتين تحدث ( جميع ) نوابهما ـ دون أي استثناء أو صمت ـ حيث شارك نواب بورسعيد ( الأربعة ) فيما شارك من السويس ( ثلاثة ) نواب هم كافة ممثلي المحافظة بمجلس النواب ( حاليا ) نظرا لوفاة النائب الرابع عن المحافظة اللواء حسن عيد متأثرا بإصابته بفيروس ( كوفيد 19 )