يرى مركز الإمارات للسياسات أن التدخل التركي المحتمل للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة ضعيف، كما أن هذا التدخل سيؤزم العلاقات التركية الفرنسية التي شهدت تحسنًا بسيطًا الفترة الماضية.
وتحدث مركز الإمارات للسياسات في بحث له عن العلاقات بين تركيا وفرنسا، وتخوّف الأخيرة من التدخل التركي المحتمل في الانتخابات الفرنسية، وقال: “بعد التحسُّن النسبي الذي شهدته العلاقات التركية-الفرنسية مؤخرًا، ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على نحوٍ غير متوقع، في وثائقيٍّ بثَّته القناة الفرنسية الخامسة، في 23 آذار/ مارس الجاري، مُحذّرًا من “عزْم أنقرة التأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا”.
وأضاف” وفيما نَفَت حكومة العدالة والتنمية ذلك، قال ماكرون “بالتأكيد، ستكون هناك محاولات للتدخل في الانتخابات المقبلة. هذا مكتوب والتهديدات ليست مبطنة”، ورغم أن تحذير الرئيس الفرنسي لا يزال في حيز الاحتمال غير المؤكد، إلا أن السلطات الفرنسية كانت قد رصدت منذ خريف العام الماضي محاولات للتأثير التركي على الحياة السياسية الفرنسية، وخاصة تجاه المسلمين الفرنسيين، تصاعدت بشكل كبير في أعقاب الحوادث الإرهابية في باريس ونيس في أكتوبر 2020”.
ويحلل هذا البحث احتمالات تدخل تركيا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والأشكال التي يمكن أن يتخذها هذا التدخل، مع استقصاء أثره على العلاقات بين البلدين، واحتمالات نجاحه.
وتطرق البحث إلى أشكال التدخل التركي المحتمل، وقال: “من المُسلَّم به أن التدخل التركي المحتمل سيكون من أجل الحيلولة دون أن يفوز الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، بولاية ثانية، باعتبار أنه قد تحوَّل في السنوات الأخيرة إلى أحد أبرز خصوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتزعَّم الجبهة الأوروبية المناهضة للسياسات التركية في اليونان وليبيا وسوريا وأرمينيا”.
ولا يمكن الجزم بالشكل الذي سيأخذه أي تدخل تركي في مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا (أبريل 2022)، إلا أنه يمكن حصر بعض أشكال هذا التدخل من خلال تحليل السياسات العدائية التركية الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وأيضًا من خلال الاستعانة بالتجارب المقارنة، وخاصة النموذج الروسي في التدخل. لذلك يمكن أن يأخذ تدخل أنقرة في باريس الأشكال التالية:
الشبكات الدينية: يمكن أن تعتمد تركيا على الشبكات الدينية الموالية لها مثل الاتحاد التركي الإسلامي لمديرية الشؤون الدينية (DİTİB)، وحركة مللّي غوروش (Milli Görüş)، والتي تسيطر على شبكة واسعة من المساجد في فرنسا تفوق الــ 300 مسجد، وهذه الشبكات يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا في الدعاية ضد ماكرون أو لفائدة أحد المرشحين، خاصة من اليسار، في صفوف الجالية المسلمة، والتي يقترب عددها من ثمانية ملايين نسمة.
2. جماعات الضغط: بإمكان أنقرة تحريك جماعات الضغط الموالية لها في فرنسا، وفي الاتحاد الأوروبي، ضد أو مع أحد المرشحين، وأبرز هذه الجماعات “اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين” (UETD)، وهو أكبر شبكة ضغط تركية في الخارج تابعة رأسًا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، و”مجلس العدل والمساواة والسلام” المُقرَّب من الحزب الحاكم.
3. الهجمات الإلكترونية: قد تلجأ أنقرة إلى استخدام الجيوش الإلكترونية والقرصنة لمهاجمة المنصات الإلكترونية، خاصة وأن لتركيا تاريخ في استعمال هذه الطريقة داخل فرنسا، حيث نفذت المجموعات الإلكترونية الموالية للنظام التركي العديد من الهجمات استهدفت مؤسسات فرنسية وشخصيات سياسية عبّرت عن مواقف مُعادية للسياسات التركية، ونفَّذتها مجموعة الهاكر التركية “أييلديز تيم”، وهي تشكيل ذو نزعات قومية تركية متطرفة، قام بالعديد من الهجمات الإلكترونية ضد شخصيات ومؤسسات في العالم ضد سياسات أردوغان.
4. عمليات التلاعب بالمعلومات: يمكن أن تشكل هذه الطريقة أهم وأخطر أشكال التدخل التركي المحتمل في المسار الانتخابي الفرنسي، إذ رصدت أجهزة المخابرات الفرنسية في وقت سابق محاولات تركيا لنشر معلومات مضللة على شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت الفرنسيين، وخاصة الجاليات التركية والمسلمة.
ويُمكِن أن تَستخدِم هذه العمليات من أجل اختراق المجتمع عبر الإنترنت محتوى غير سياسي في البداية أو مواضيع فرنسية عامة ليس لها علاقة بالانتخابات (هجمات إرهابية، وأخبار، ومظاهرات) لجلب انتباه الفئات التي تستهدفها قبل نشر المزيد من المحتوى السياسي المتعلق بالانتخابات. كما يمكن أن تنشر رسائل في شكل أخبار تتعلق بفرنسا، لتعزيز وضوح وموثوقية محتواها، وذلك من خلال إنشاء حسابات على مختلف الشبكات الاجتماعية لمشاركة المعلومات المضللة في شكل عناوين جذابة، أو مشاركة الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام التركية الناطقة بالفرنسية.
5. الخطاب المباشر: يُمكِن أن يأخذ التدخل شكلًا معلنًا من خلال الخطاب المباشر، سواء خطاب الشخصيات السياسية التركية كالرئيس أردوغان أو وزرائه لدعم أحد المرشحين أو مهاجمة أحدهم، أو من خلال التدفق الإعلامي عبر وسائل إعلام النظام أو المقربة منه.
وللرئيس التركي في هذا المجال سوابق خلال الانتخابات التشريعية الألمانية في العام 2017، عندما دعا المواطنين الأتراك في ألمانيا، لعدم التصويت للأحزاب التي وصفها بالمعادية لبلاده، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل.
‘التأثير التركي على الانتخابات الفرنسية ضعيف’
ويرى البحث احتمال نجاح أي تدخُّل تركي للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة ضعيفًا في العموم، إذ من الصعب أن يتأثر الفرنسيون بأي خطاب تركي، فيما سيكون من الصعب أن تنجح العمليات المعلوماتية التي يمكن أن تطلقها أنقرة في أن تستهدف السكان الفرنسيين، كما أن اللغة الفرنسية تظل عائقًا أمام وصول العمليات الأجنبية إلى هؤلاء.
لكن في المقابل يمكن أن تؤثر الدعاية التركية على قطاعات واسعة من الجالية المسلمة، التي يتراوح عددها بين سبعة وثمانية ملايين نسمة، بينهم أكثر من 700 ألف تركي، نصفهم يحمل الجنسية الفرنسية، أي من الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات.
‘تأزم العلاقات التركية الفرنسية مجددًا’
التدخل التركي المحتمل بالانتخابات الفرنسية وتحذير الرئيس الفرنسي من هذا التدخل يؤزم العلاقة بين باريس وأنقرة بعد ثلاث شهور من الهدنة والتحسُّن الطفيف الذي عبّر عنه كلٌّ من أردوغان وماكرون بعد استئناف المفاوضات بين اليونان وتركيا في كانون الثاني/ يناير الماضي، خاصة أن جدلًا قد ثار في فرنسا ضد تمويل منظمة “مللي غوروش” الموالية للنظام التركي، بالتوازي مع هذا تحذير الرئيس الفرنسي.
شكَّل تحذير الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من “عزْم أنقرة التأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا”، نقطة نهاية لأشهرٍ من الهدوء عرفتها العلاقات التركية-الفرنسية بعد خريف 2020، الذي ثارت خلاله حربٌ كلامية بين ماكرون ونظيره التركي أردوغان.
ومن المتوقع أن يكون لتحذير الرئيس ماكرون تداعيات سلبية على العلاقة بين تركيا وفرنسا، في ظل عودة الجدل حول تمويل الشبكات الدينية التابعة لأنقرة في فرنسا. كما ستكون له تداعيات داخل الاتحاد الأوروبي حول الموقف من تركيا قبل أيام من القمة الأوروبية التي ستحدد شكل العلاقة بين الاتحاد وأنقرة.