عقد مركز المحروسة جلسة حوار حول مهنية الإعلام وتحدياته الحالية وماذا يمكن أن يكون عليه الإعلام في المستقبل ، وناقشت الجلسة التحديات التي يواجهها الإعلام المصري داخليا وخارجيا من خلال إستدعاء دروس الماضي في ذروة سيطرة الإعلام المصري علي الإقليم العربي وما هي الضروريات التي ينبغي تحقيقها لنعود للريادة الإقليمية والمشاركة في تشكيل الرأي العام الاقليمي والدولي وبناء رأي عام مصري مساند للدولة المصرية ومستجيب لتطلعات المصريين ومعززا لحقوقهم وإحتياجاتهم.
شارك في الجلسة مجموعة من الإعلاميين أصحاب الخلفيات المهنية المتنوعة والإنتماءات المختلفة متمثلين في محمد الهواري مدير تحرير المصري اليوم وأحمد حسين مراسل قناة الحرة الأمريكية بمكتب القاهرة ومحمد الشريف مسئول ملف المجتمع المدني بجريدة الدستور وشمس طه مسئول ملف المجتمع المدني بالبوابة نيوز وفريد إدوار مراسل قناة سي تي في والمعلق علي الأفلام التسجيلية. كما شارك في الجلسة مجموعة من طلاب كليات الإعلام وقادة بعض منظمات المجتمع المدني المهمومة بقضايا حرية الإعلام ومهنيته. ونسق للحوار محمد عبد الحليم مدير قطاع المجتمع المدني بمركز المحروسة وأدار الحوار هاني إبراهيم المدير التنفيذي لمركز المحروسة.
في البداية طرح هاني ابراهيم تساؤلا علي المشاركين وهو هل تمتعت مصر بداية من حقبة 1952 بإعلام مهني أم أننا كنا أمام قامات إعلامية مهنية قوية في شخصياتها وقدراتها المهارية والمعرفية كمثال لمحمد حسنين هيكل ومصطفي أمين وموسي صبري! فلماذا نقارن بين وضعيتنا الإعلامية القديمة ونصفها بالمهنية العالية وبين وضعنا الحالي ونصفه بالضعف وهل هذا التقييم صحيح فعليا أم هو مجرد شعور ناتج عن الإنتشار الساحق لوسائل التواصل الاجتماعي!!
أقر المشاركين انه من الظلم مقارنة إعلام الستينات والسبعينات بوضع الإعلام الحالي حيث تتنافس وسائل التواصل الاجتماعي مع إعلام القنوات الفضائية والصحف وتجعل منه أحيانا متأخرا في التغطية الخبرية. كما أن القامات الإعلامية في الماضي كانت تعرف جيدا رسالتها وأهدافها حيث العمل علي تثقيف وتوعية الجمهور المصري والعربي أما حاليا فالرسالة الإعلامية يشوبها التشرزم والتسطيح بفعل عوامل ومتغيرات عديدة منها ما يخص الإطار الحاكم للإعلام ككل ومنها ما يخص ضعف المهارات والمعارف للعاملين في الحقل الإعلامي.
فمن جانبه أكد فريد إداور أن الثقة بين المواطن ووسائل الإعلام تواجه تحديا كبيرا فهي ضعيفة وتعاني من تأكلها المستمر مما يدفع القارئ للذهاب إلي وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الاخبار منها ويقع في فخ التسطيح والهزلية حتي في الأخبار الهامة. أضاف أيضا أن المنتجات الإعلامية في التليفزيون والصحف صارت متشابه فلا يهم إختلاف القناة التليفزيونية التي تشاهدها فكلها متشابه في محتواها. والعديد من الإعلاميين يهربون إلي وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن ما يريدونه بعيدا عن وسيلتهم الإعلامية الرسمية التي تلتزم بمعايير قد لا تعطيهم حرية الكلمة بالإضافة إلي ضعف الاجور والرواتب مما شجع العديد من أنصاف المواهب إلي الإنتشار داخل المؤسسات الإعلامية والتأثير علي محتواها بضعف مهاراتهم ومعارفهم.
يشارك محمد الشريف تصوره بأن التكنولوجيا وتطورها وإحكامها للمشهد الإعلامي صارت تحديا حقيقيا للإعلاميين فيكف أكون إعلامي مهني وفي نفس الوقت مسوق إعلامي علي وسائل التواصل الإجتماعي والأهم كيفية تطوير رسالة ومحتوي إعلامي يخاطب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بنفس مهنية الكتابة في الصحف والقنوات التليفزيونية.
كما يؤكد محمد الهواري أن نظرتنا للإعلام وإهتمامنا به نابع من كثرة التغطية الإعلامية لما يدور في مصر. فهي دولة محورية في إقليم الشرق الأوسط وينظر إليها العالم بأهمية بالغة وهو ما يجعلها محط أنظار وسائل الإعلام سواء نقدا وقدحا أو إعجابا وتمجيدا في كل ما يدور بها. وهو ما يضع الإعلاميين في مصر في تحدي كبير في كيفية تطوير رسالة إعلامية تتناسب مع موقع وأهمية مصر وفي نفس الوقت تتعامل مع إحتياجات وتطلعات القارئ. إلي جانب ذلك لابد من التفريق بين ما يحتاجه الجمهور وما يريده الجمهور. فالسوشيال ميديا إندفعت لتلبية ما يريده الجمهور وأصبح الترافيك أهم من التوعية وتناسى الجميع ما يحتاجه الجمهور من مصادر خبرية موثوق فيها وتحليلات إعلاميه ترفع من وعيه وتجعل من المواطن شريك في المسئولية لما يدور من حوله وهو ما شهدته مصر في أزماتها عبر التاريخ الحديث حيث المواطن متفاعل مع إعلامه المساند لتوجهات دولته في تحدياتها الوطنية. كما أشار الهواري إلي إنتشار الإعلام السطحي والردئ لأن المحتوي الإعلامي الثمين والعميق في تراجع كبير وهو ما جعل نسبة من المواطنيين ليست بالصغيرة تذهب إلي الإعلام المعادي للدولة والتماهي معه فيما تتشدق به.
ويشير الهواري إلي أن أحد التحديات الإعلامية هي تشبع السوق الإعلامي بخريجي وممارسي الإعلام. وهو ما جعل السوق الإعلامي مترهل ويحشد كفاءات غير مهنية إلي جانب ضعف التدريب والتثقيف للإعلاميين ولا يوجد حاليا غير نقابة الصحفيين التي تعرض بعض الدورات التدريبية والتأهيلية للصحفيين المنضمين للنقابة بعكس ما كان منتشرا في الفترة من 2005 حتي 2014 من إنتشار كبير لمؤسسات التدريب التابعة للوكالات الدولية ومنظمات المجتمع المدني. ويطالب أحمد حسين بضرورة العودة إلي المهنية حتي لا تترك الرسالة الإعلامية فارغه فيملائها من لا يريد الخير لمصر.
أما أحمد حسين فيشير إلي أن مقولة إعلام موضوعي مقوله غير صحيحه فكل إعلام وله انحيازاته لكن الأهم هو مهنية الإعلام والتي تهمنا حيث يتسم الإعلام المهني بالعمق ودرجته الكبيرة في التناول الموضوعي للأحداث والتغطية الخبرية التي تهم القارئ وتحترم عقليته وتحترم قناعاته حتي وإن إختلفت معه. ويؤكد علي ضرورة أن تكون الرسالة الإعلامية مؤثرة وفق الفئات العمرية التي تخاطبها وعلي وسائل الإعلام تحديد لمن تتوجه وكيف تؤثر فيهم.
وتشدد شمس طه علي أهمية التدريب والتثقيف للعاملين في الحقل الإعلامي وتجد أن معضلة تردي الرسالة الإعلامية هي الإنتشار الواسع لتوظيف وسائل التواصل الإجتماعي وعدم تدريب الصحفيين علي كيفية تطوير رسالة إعلامية تراعى معايير تسويقها عبر السوشيال ميديا، وتنتقد دور الصحف والمؤسسات الإعلامية التي توقفت كليا عن تطوير برامج تأهيلية وتدريبية للعاملين بها إلي جانب تردي الأحوال الاقتصادية وضعف الأجور والمرتبات للعاملين بالإعلام.
وأكد المشاركين أن وسائل الإعلام الاقليمية ينتشر بها كفاءات إعلامية مصرية وهو ما ينفي أن ضعف وجود الكوادر المهنية الحرفية في مصر فهي موجودة وتحتاج فقط إلي توظيفها في المواقع الصحيحة لها وإعطائها القدرات اللازمة لتطوير منصات إعلامية مصرية قوية.
وفي نهاية اللقاء أوصي المشاركين بأهمية تخصيص برامج تدريب وتأهيل مهني متقدم للعاملين في الإعلام وأن تخصص المؤسسات الإعلامية ميزانيات لهذا الغرض وأن نتوجه إلي الإستعانة بالخبرات المصرية والدولية في هذا الشأن، كما يجب تخصيص أقسام في كليات الإعلام متخصصة في الإعلام الرقمي ليس من المنظور النظري كما هو حاليا بل من الجانب العملي المهني، وبالنسبة للوضع الاقتصادي للإعلاميين خاصة الصحفيين فلابد من تحسينه وضمان رعاية اجتماعية وصحية حقيقية للإعلاميين حتي يتفرغوا لتطوير المهنة من خلال تطوير قدراتهم ومعارفهم الإعلامية كما أكدا المشاركين علي أهمية بناء ثقة بين وسائل الإعلام والجمهور المصري لإستعادته لمتابعتها بديلا عن توجهه إلي وسائل إعلام أخرى ليستقي منها أخباره، كما طالب بعض المشاركين بضرورة الإهتمام بتليفزيون الدولة وتطويره لخدمة أهدافها ووجود رؤية إعلامية تتماشى وتناسب رؤية مصر 2030 التنموية.