الاهتمام بقضية حقوق الإنسان أمر لابد منه، والحديث عنها فى عالم ما بعد جائحة كورونا ضرورة حتمية، نتيجة للتحديات التى فرضت نفسها على الجميع، وربما استحوذت الحقوق المدنية على كثير من التقارير والمناقشات خلال عقود ماضية، لكن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لم تنل القدر الكافى من الاهتمام، حتى جاءت كورونا!
الآن هناك ضرورة ملحة للنظر فى الأوضاع الصحية ليس فقط فى دول العالم النامى، بل هناك الكثير من دول العالم المتقدم سقط فيها النظام الصحى أمام تزايد أعداد المصابين، وفرضت الجائحة شروطها على الجميع، وأصبحت هناك أولوية للقطاع الصحى، مع الاهتمام بزيادة المستشفيات، وعدد الأسرّة، منح الكوادر الطبية امتيازات جديدة، وغيرها من الأمور التى لم تكن فى السابق بنفس القدر من الاهتمام، وهو ما يدعونا إلى المضى قدما نحو انتهاج مسارات جديدة لقضية حقوق الإنسان، مع اعترافنا بأنها قضية عالمية علينا تأسيس حائط صد قوى يعبر عن صلابة جبهتنا الداخلية فى التعامل مع مثل هذه القضايا الشائكة.
أعجبنى حديث الدكتور هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، مؤخرا حول المبادراتِ التنموية التى قامت بها الحكومة فى الأشهر الأخيرة، ومنها مبادرة حياة كريمة، ومراكب النجاة، 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سى، إلى جانب مبادرة الكشف عن السمنة والتقزم والأنيميا بين طلاب المدارس، وأيضا مبادرة مضاعفة أسرّة الرعاية المركزة ونقاط الإسعاف، مع مبادرة خفضِ كثافة الفصول، والتوسع فى إتاحة الجامعات الأهلية.
بالفعل نحن بحاجة لمثل هذه المبادرات وغيرها، ولابد من طرحها فى الاجتماعات الأممية حتى يعرف العالم أن الحكومة إن كانت تتعرض لانتقادات بسبب ملف الحقوق المدنية والسياسية، إلا أنها أنجزت الكثير فى ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
الحقيقى أننى أندهش حينما أشارك فى منتديات إقليمية ودولية وأسمع حوارات وانتقادات كثيرة لملف حقوق الإنسان فى مصر، وأردد دائما: أى مصر التى يتحدثون عنها؟، مصر التى نعرفها بعد ثورة يناير 2011 أم قبلها؟، مصر الحديثة بعد 30 يونيو 2013 أم قبلها؟، أى مصر هذه التى يتحدثون عنها وكأنها أصبحت سجنا كبيرا؟!
نقول دائما ملف حقوق الإنسان متشابك ومتشعب، وهناك إرث متراكم منذ عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، وهناك خمول أصاب أغلب مؤسسات الدولة، ولذلك جاءت ثورة يناير 2011، وبالتالى من أجل إعادة بناء دولة بحجم مصر، ليس بالسهولة أن تظهر النتائج خلال أشهر قليلة، ولكن لابد من التأنى فى الحكم على ما يحدث، وانتظار جنى ثمار التحركات المصرية الأخيرة على المستوى الدبلوماسى، أو فى البرنامج الاقتصادى الطموح، وأيضا على مستوى الشعبى الذى يعد حصن الدفاع الأول للدولة المصرية أمام محاولات دول إقليمية وجماعات معروفة تريد أن تظل مصر فى بؤرة عدم الاستقرار.
يكفى أن نرى أن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى من قبل بشأن سرت والجفرة خط أحمر فى ليبيا، جعل الأمور تتغير هناك، كذلك الحديث عن خط أحمر لمنع اختراق الحدود البحرية لكل من مصر واليونان، والآن هناك تحذيرات لإثيوبيا بشأن خط أحمر جديد حول حصة مصر من مياه النيل، هذه تحركات دبلوماسية تنم عن قوة مصر الإقليمية وعودتها للريادة وأصبحت طرفا مهما فى الملفات العالمية.
هناك مبادرات عديدة تتعلق بالشباب وتمكينهم سياسيا وزيادة عدد تواجدهم فى البرلمان، هناك قانون بناء الكنائس الذى يعالج إرثا من الإهمال، هناك أولوية شديدة للاهتمام بتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا بشكل لم تشهده مصر من قبل.
يبقى أن نضع تعديلات بسيطة حتى تظهر كل التغيرات التى حدثت فى مصر خلال العقد الأخير، ومنها على سبيل المثال تعديل قانون الأحوال الشخصية المجحف، الذى ينتقص من حقوق أصبحت واقعا للمرأة، ولكنه يعيدنا سنوات للوراء، حيث يضع النساء بغض النظر عن العمر أو الخبرة العلمية أو الحياتية ناقصات الأهلية والقدرة التى تؤهلهن لإدارة شؤونهن الخاصة وشؤون أطفالهن، وهو ما يتطلب من الحكومة والبرلمان تصحيح المسار، والإشارة إلى أن أى تعديل للقوانين لابد أن يكون عصريا وبه أفكار جريئة وليس ردة للوراء.
نريد أيضا ضمانة حكومية ودعما برلمانيا لمنظمات المجتمع المدنى، وحدها الحكومة لن تتمكن من مواجهة المشكلات، ولكن بالتعاون وبناء الثقة مع المنظمات المدنية ستكون النتيجة أكثر منطقية، ومن ثم سيكون ردا عمليا على أى انتقادات تتعلق بانتهاك الحكومة لحقوق المنظمات الأهلية فى العمل، ولنا أمثلة عديدة على نجاح هذه المنظمات فى التعليم المدنى، التعليم المهنى، تقديم خدمات صحية بأسعار رمزية، كذلك تقديم مساعدات للمشروعات الصغيرة والأرامل والأطفال المتسربين من التعليم وغيرها.
أتذكر خلال رئاستى لجمعية النهضة بالتعليم خلال 12 عاما، قدمنا خدمات كثيرة للشباب المقبل على سوق العمل، وساعدنا الكثير منهم فى رفع قدراتهم العملية وعدم الاكتفاء بالمؤهلات التعليمية فقط، وقمت بتشكيل نواة للعمل المدنى يسمح بأفكار ليبرالية حديثة تقود المجتمع للأمام، ولذلك كنت فخورة بهذا العمل، وكثيرا ما وجد صدى إقليميا ودوليا، ولذلك مثل هذه الأنشطة يكون لها صدى مع المنظمات المدنية الأجنبية والسفارات الأوروبية التى تهتم بالعمل الاجتماعى والمدنى إلى جانب دورها الدبلوماسى، لذا لا بديل عن شراكات مختلفة فى هذه الملفات واقتحامها بشجاعة إذا كنا جادين فى مواجهة العالم الخارجى!
منى مكرم عبيد
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلاً عن المصري اليوم