أقام المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مؤتمرا عنوانه «حقوق الإنسان وبناء عالم ما بعد الجائحة» وهو ما نحتاجه جدا لأن العالم سوف يتغير تغيرا كليا فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعرض المؤتمر لعدة قضايا:
* الحق فى الصحة ــ ضمان الحصول العادل على لقاح كوفيد ــ 19 وملامح عالم ما بعد الجائحة، إلى جانب الحق فى التعليم ــ بناء عالم أفضل ما بعد الجائحة ــ دور المجتمع المدنى.
وأصدر عدة توصيات مهمة وأنا شخصيا لم أكن متحمسا لهذا المؤتمر رغم أن العميد خالد عكاشة وجه لى دعوة لحضور هذا المؤتمر وحضر وزراء ووزيرات الصحة والسكان والتعاون الدولى والتخطيط وتوقعت بحضور هؤلاء الوزراء والوزيرات أن يكون الكلام منمقا وسوف يحاولون إضفاء نوع من المجاملة والكلام على الإنجازات، وكل هذا الكلام الذى لم يشعر الناس بوجوده على أرض الواقع فى ظل غلاء الأسعار وأحوال التعليم والصحة إلى آخره، وليس هذا مجالا لشرح التفاصيل.
ولقد فوجئت بأن نص البيان الختامى جاء مغايرا تماما لما كنت أتوقع، وذكر فى بيان الختام أنه جاء اليوم العالمى لحقوق الإنسان فى 10 ديسمبر 2020 تحت شعار «إعادة البناء بشكل أفضل ــ قوموا ودافعوا عن حقوق الإنسان».
***
ولمس المؤتمر موضوعات مهمة جدا بأنهم طرحوا فى التوصيات جميع الأمور المرتبطة بحقوق الإنسان فى مقدمتها «حياة المواطنين فى مقابل الاقتصاد» و«الحقوق الوطنية فى مقابل السلطوية» و«الخصوصية فى مقابل الرقابة» وأخيرا «ارتباط شرعية النظم بمدى قدرتها على مواضيع الجائحة». هذا الكلام مهم للغاية ويجب أن ننظر له كحقوقيين وحقوقيات بعين الاعتبار وطرحه على جميع منظمات حقوق الإنسان فى مصر.
وذكر فى التوصيات أنه يجب التحقيق مع منظمة الصحة العالمية فى عدم إصدار الإنذار المبكر إلا فى 11 مارس، والتوسع فى صلاحيات منظمة الصحة العالمية بطريقة شبيهة بمجلس الأمن وتشجيع الدول على التعاون ونقل التجارب بأمانة، وكذلك لمس نقطة مهمة هى «المساواة فى عدالة الحصول على الأمصال» وهذا موضوع شديد الأهمية يخص مصر لأن تلقى الأمصال فى مصر يمر بفوضى عارمة وخاصة فى الدول الفقيرة والمهمشة. وجاءت فى التوصيات أن الأنظمة الصحية فى العالم فى حالة يرثى لها ما بالك فى الأنظمة الصحية فى الدول الفقيرة! وكذلك من ضمن التوصيات ضرورة النظر فى تبنى نظم تعليمية أكثر مرونة وشمولية بطريقة تجعلها عملية مستمرة تحميها من الانقطاع وقت الأزمات، هذه الفكرة فى حد ذاتها تتطلب مؤتمرا يناقش موضوع التعليم.
ومن أهم التوصيات أيضا وضع عقد اجتماعى جديد متطور ثلاثى الأطراف بين الدولة والمواطنين والمواطنات والمجتمع المدنى فيما يخص مواجهة الحالات الاستثنائية والطارئة والتشديد على أهمية دور المجتمع المدنى فى تعزيز ملف حقوق الإنسان كشريك، هذه النقطة الجديرة بالاحترام لدعوة الحكومة فى مصر لتفعيل المذكرة التفسيرية لقانون الجمعيات الأهلية وإتاحة الفرصة للجمعيات الأهلية أن تكون شريكا حقيقيا فى المجتمع. أنا أعتقد أن هذه التوصية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار والأهمية، ورفع كل القضايا التى تمنع منظمات المجتمع المدنى من مواصلة عملها.
ولكن من أهم القضايا التى أثارها الأستاذ عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان كان لها اعتبار فى التوصيات للدعوة إلى النظر فى ملف الحبس الاحتياطى وإدانة بعض النشطاء، وليس من المعقول بأى حال أن يبقى المسجونون فى قضايا دون التحقيق لمدة ثلاث سنوات! وأوصى المركز الجهات المعنية التشريعية والقضائية لإعادة النظر فى المدد الخاصة فى الحبس الاحتياطى والعمل على إيجاد آليات لتفادى طول هذه المدة وخاصة على أعتاب عالم جديد يتشكل ويتطلب استجابات أكثر مرونة. وخاصة أننا نواجه خطرا شديدا فى سد النهضة، ولذلك نريد أن يقف جميع المواطنين والمواطنات وراء الدولة فى أى قرار تتخذه.
***
أما التوصية التى أعتبرها كحقوقى من أهم التوصيات التى صدرت فى مؤتمر المركز المصرى والأكثر احتراما الدعوة إلى عودة لجنة العفو الرئاسى التى أنشئت بناء على مقترح شبابى قدم خلال أول مؤتمر للشباب 2016، ويدعو المركز فى التوصية إلى إعادة دورها وفعالياتها، كل هذه التوصيات تثير الاستغراب! هل نحن على أبواب مرحلة جديدة فى المجالات المختلفة؟ لأنهم دعوا فى التوصيات على تشجيع الشباب على الانضمام للأحزاب وممارسة العمل السياسى الحزبى. أعتقد أن هذه الدعوة تتجاوز الإجراءات الاستثنائية وتتطلب الإفراج عن الشباب الموجودين فى السجون. ولم أكن أتوقع أن يصدر المركز هذه التوصيات بهذا الشكل، ويتساءل للمرة الثانية هل هى بداية للمجتمع المصرى الذى تحدث فيه الرئيس عن دولة ديمقراطية حديثة؟ هل نستطيع كمجتمع مدنى أن نطرح كل الأسئلة التى تدور فى أذهاننا عن حقوق الإنسان والحياة السياسية فى مصر ونرى كل ما تقدم به المركز على أرض الواقع دون أن يكون دعاية جوفاء تموت بفعل الزمن ويصاحبها إجراءات عملية لتنفيذ ما جاء فى التوصيات؟!
إن مصر تمر بمرحلة دقيقة فى حياتها من كل الجوانب وخاصة موضوع سد النهضة الذى سوف يؤثر فى حياة المصريين والمصريات إلى درجة بعيدة.
أنا أدعو كل المواطنات والمواطنين المصريين والمجتمع المدنى أن ينخرطوا فى العمل داخل مصر لإنقاذ هذا الوطن مما قد يؤدى به إلى خسائر فادحة، والوطن يستحق منا أن نكون وراءه رغم الإتفاق أو الخلاف.. هل نستطيع أن يجتمع المصريون والمصريات على وثيقة تتضمن كل ما قيل فى هذا المؤتمر وتفعيلها والتوقيع عليها بمناشدة الدولة أن نرى ما طالب به هذا المؤتمر من توصيات! أعتقد أن هذا ممكن لو تضافر كل محبى ومحبات الوطن فى صياغة هذه الوثيقة. لا يستطيع فرد أن يفكر لوحده بل الأمر جاد خطير، ويجب أن يشارك كل السياسيين والسياسيات والمفكرين والمفكرات والعلماء فى الوقوف وراء الدولة حتى نعبر الأخطار التى تحاصرنا لنصل إلى بر الأمان.
ومصر مليئة بالمفكرين والمفكرات والعلماء فى كل المجالات، نحن نريد محترفين ومحترفات وعلماء ولا نريد هواة لتغيير الواقع الذى نعيش فيه.
جورج إسحق
مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
نقلاً عن الشروق