قررت سويسرا تشديد تشريعاتها بشكل جذري لمكافحة الإرهاب، لدرجة إثارة قلق العديد من المنظمات الإنسانية المدافعة عن حقوق الإنسان.
في 13 يونيو – حزيران، ستتم دعوة سكان سويسرا لإبداء رأيهم في قانون جديد يهدف إلى مكافحة الإرهاب يرمي في أساسه إلى تعزيز إجراءات الشرطة لمكافحة قضايا الإرهاب. وتؤكد الحكومة أنه سيتم ضمان الحقوق الأساسية قائلة إن برامج مكافحة التطرف غير كافية في مواجهة التهديد الذي يشكله بعض الأشخاص.
وبفضل هذا القانون، ستكون الشرطة قادرة على مراقبة أفضل لهؤلاء الأشخاص والحد من تحركاتهم وإجبارهم على الخضوع لاستجوابات، اعتبارا من سن 12 عاما. كذلك، سيكون من الممكن وضع الأشخاص الذين يبلغون 15 عاما وما فوق قيد الإقامة الجبرية لمدة تسعة أشهر، شرط موافقة المحكمة.
سويسرا تعزّز ترسانتها القانونية لمكافحة الإرهاب
ورغبة منها في حماية سكانها بشكل أفضل بعد هجمات باريس العام 2015، أنشأت برن قاعدة قانونية صادق عليها البرلمان في العام 2020، يسمح بموجبه للشرطة بالتحرك وقائيا بسهولة أكبر عند مواجهة “إرهابي محتمل”. ووفقا للشرطة الفدرالية، سينطبق هذا الإجراء الجديد على بضع عشرات الحالات سنويا.
وفقًا للمجلس الاتحادي السويسري، يعتبر المقترح امتدادا لخطة العمل الوطنية لمكافحة التطرف التي اسهمت في تشديد الإجراءات الوقائية للحوادث الإرهابية منذ عام 2017.
بعد تسجيلها التحاق عشرات من الشبان السويسريين بصفوف منظمات عنيفة ومصنّفة إرهابية، مثل القاعدة و ما يسمى بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” خلال السنوات الأخيرة، اختارت سويسرا تعزيز ترسانتها القانونية والقضائية في مجال مكافحة الإرهاب والوقاية من التشدّد.
وأصبح لدى القضاة قانون، بعد موافقة البرلمان عليه يوم 23 سبتمبر – أيلول 2020، وهو جزء من خطة وطنية شاملة لمكافحة التطرّف. وإذا كانت أحزاب اليسار ترى أن هذا القانون الجديد “ردّ استبدادي” على هذه الظاهرة، فإن أحزاب اليمين تشيد به لما يتميّز به من “حزم”. وتركّز الإجراءات المقترحة في هذه الخطة الوطنية على الإنذار المبكّر، وإعادة إدماج المخالفين، وتدريب الشخصيات المجتمعية مثل المعلمين والأئمة والمدرّبين الرياضيين. وتهدف الحكومة من وراء هذه الخطة إلى إحباط الدعاية التي تحرّض على التطرّف العنيف مهما كانت دوافعه
ينص قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي سيصوت عليه الشعب السويسري في 13 يونيو – حزيران على أن الشرطة يمكن أن تتصرف بسرعة عندما يكون هناك عمل إرهابي متوقع أي قبل حدوث الجريمة.
سويسرا بمنأى عن الهجمات الجهادية
ومن ثم فهو يعنى بإمكانية “اتخاذ تدابير وقائية مثل الالتزام بالمشاركة في المقابلات مع أجهزة الشرطة أو حظر الاتصال يطال بعض الأفراد المشتبه بهم أو حظرتنقلهم أو حتى فرض الإقامة الجبرية ضد الأفراد الذين يحوم حولهم الشكوك وهكذا بدون تدخل من القاضي”.
وحتى الآن، كانت سويسرا بمنأى عن الهجمات الجهادية التي ضربت أوروبا، لكن التهديد ما زال “مرتفعا” وفقا للسلطات التي تؤكد “في العام 2020، وقع هجومان بالسكين ويرجح أن يكون لهما +دوافع إرهابية+” في مورج ولوغانو. كذلك، لاحظت السلطات “زيادة عامة في شدة عنف اليسار المتطرف” وهي تنظر إلى اليمين المتطرف على أنه يشكل تهديدا.
وقد وافقت سويسرا، وهي موطن للصليب الأحمر ومجموعة واسعة من المنظمات الإنسانية الأخرى، على إعفاء مجموعات الإغاثة التي تنشط في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية من القانون.
المزيد من وسائل التحرك السريع لقوات الشرطة الفيدرالية لمحاربة الإرهاب.
كما ينص المقترح على إعطاء المزيد من وسائل التحرك السريع لقوات الشرطة الفيدرالية لمحاربة الإرهاب. في جميع الحالات، من الواضح أولاً وقبل كل شيء أن مسألة احترام افتراض البراءة هي التي يتم التركيز عليها في هذا السياق، حيث يطال الأمر الأفراد الذين يمكن أن يشتبه في أنهم إرهابيون دون أن يرتكبوا جريمة ، وبناءً على قرارات الشرطة وحدها.
حلل المحامي الفرنسي فرانسوا سورو هذا النوع من القضايا في مقالته المنشورة عام 2019، “انعدام الحرية” حيث يطحرح المحامي الفرنسي قضية قانون مكافحة الإرهاب الجديد في فرنسا.
يحذر سورو من هشاشة الحريات العامة في فرنسا ويحثنا على إعادة اكتشاف معنى المواطنة السياسية. وهو يقول : “إن حكومات اليوم ، مثل أي حكومات أخرى، لا تحب الحرية، وهذا أمر غير جديد” مضيفا “تميل الحكومات إلى أن تكون فعالة، بيد أنه ليس من المستغرب أن السكان القلقين من الإرهاب أو انتشار انعدام الأمن لا يدركون تفاصيل القوانين” مؤكدا في الوقت نفسه “صُممت قوانين سيادة القانون، في مبادئها الأساسية بحيث لا تطغى رغبات الحكومة ولا مخاوف الشعوب على أسس النظام السياسي، وفي المقام الأول الحرية”.
اعتداء الدولة على الحريات الفردية؟
ويرى المحامي الفرنسي أن هذا الأمر يتآكل منذ عشرين عامًا في بلاده. ويضيف ” تم وضع قوانين جديدة في البرلمان ترمي إلى تقيد حرية كل واحد تخت ذريعة أسباب أمنية من أجل الصالح العام”
وبحسب معارضي القانون، لا ينتهك القانون افتراض البراءة فحسب ، بل ينتهك أيضًا حقوق الإنسان وحقوق الأطفال ، الذين يتأثرون بإجراءات معينة بدءًا من سن 12 عامًا.
ووفقًا لسورو، فإن الدلالة الظاهرة على اعتداء الدولة على الحريات الفردية هي عندما تميل السلطات الحكومية ورجال إنفاذ القانون إلى إساءة استخدام السلطات، وتجاهل الحقوق “(الواردة في المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان) هو ينهض حجة على تراجع الحريات على حد قوله”.
ومن هذا المنطق، فهذا التعريف الجديد للإرهاب يشير إلى أنه في حالة ” الاشتباه بارتكاب “أعمال تهدف إلى تقويض سياسة الدولة من خلال التخطيط لارتكاب جرائم خطيرة أو التهديد بمثل هذه الجرائم”.
ماذا سيحدث للسياسيين والصحفيين والمراقبين الذين يعبرون عن آراء تعتبر مثيرة للجدل؟ هل سيتم تصنيفهم تحت مسمى “الإرهابيين”؟ على الرغم من أن كارين كيلر سوتر، رئيسة الإدارة الفدرالية للمستشار الفيدرالي السويسري بمصالح الشرطة الفيدرالية (FDJP)، تريد أن تطمئن بشأن هذه النقطة.
تدابير “دكتاتورية”؟
ويعتقد سورو أن “دور رجال الأمن حسب اللوائح القانونية ينبغي أن يكون “مؤطرا” أثناء الاحتجاجات بكل اشكالها” على حد قوله.
وفي مارس – آذار، تظاهر خمسة آلاف شخص في مدينة ليستل السويسرية للمطالبة بإنهاء تدابير مكافحة كورونا. ورفع المحتجون، الذين لم يضع كثير منهم كمامات، لافتات قالت “كفى” و”اللقاح يقتل” و”دعوا الحب لا الخوف يرشدنا”. وعلّق كثيرون حول عنقهم ورقة كتب عليها “عبيد العصر الحديث يضعون كمامة”، في حين وضع رجل على وجهه ورقة مع عبارة “الكمامة إلزامية كمموا أفواهكم”. ويعتبرون أن الحكومة السويسرية تلجأ إلى تدابير “دكتاتورية” لفرض القيود الصحية منها إغلاق المطاعم والحانات.
قالت أليسيا جيروديل المحامية في فرع سويسرا لمنظمة العفو الدولية: “لا يعيد النص النظر في صدقية التقاليد الإنسانية لسويسرا فحسب، بل يمكن أيضا أن يمهد الطريق، على المستوى الدولي، لسياسة أمنية تستخدم أدوات عقابية ضد أشخاص لم يرتكبوا أي جريمة جنائية”.
الحزب الاشتراكي يحتج على مشروع القانون
واحتج الحزب الاشتراكي على هذا القانون قائلا “هذا سيجعلنا البلد الأول والوحيد في الغرب الذي يطبق مثل هذا الحرمان التعسفي من الحرية. مع استثناء وحيد: الولايات المتحدة ومعسكرها في غوانتانامو”.
وبالنسبة إلى المعارضين، فإن هذه الإجراءات تنتهك العديد من المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، كما أنها ستضر بسمعة البلاد.
فرغم أن مفهوم حقوق الإنسان ولد في فرنسا، لطالما اعتبرت سويسرا راعية له لأنها موطن اتفاقات جنيف ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان. وتنتقد الأمم المتحدة القانون بشدة.
وقالت الناطقة باسم مكتب الامم المتحدة لحقوق الانسان ليز ثروسيل إن “مشروع القانون قد يؤثر على عدد من حقوق الإنسان بما فيها حرية التنقل والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، إضافة إلى الحق في الخصوصية والحياة الأسرية”. وأضافت “من بين مخاوفنا، توسيع تعريف الأعمال الإرهابية ليشمل السلوك غير العنيف بما في ذلك نشر الخوف”.
التعريف الواسع للنشاط الإرهابي
وحذّر العديد من خبراء حقوق الإنسان المستقلين برن من أن هذا التعريف الواسع للنشاط الإرهابي قد يشكل “نموذجا نموذج للحكومات الاستبدادية التي تسعى لقمع المعارضة السياسية”.
وانتقدت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان دنيا مياتوفيتش التعريف المبهم لـ”إرهابي محتمل” المنصوص عليه في القانون و”الذي يمهد الطريق أمام تفسير واسع ينطوي على خطر التدخل المفرط والتعسفي في حقوق الإنسان”.
بالنسبة إلى مركز الأبحاث السويسري “فوروس” الذي يعتبر أن القانون يغذي وهم الأمن المطلق، يطرح سؤال حول القيم التي ترغب سويسرا في الاعتماد عليها في المستقبل لترسيخ نفوذها على الساحة الدولية.
وقالت نورا ناجي من مركز الأبحاث لوكالة فرانس برس “في ضوء ترشح سويسرا لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للعام 2023/24، أصبح هذا الالتزام بتعزيز الحقوق الأساسية وحقوق الإنسان أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
وقد وافقت سويسرا، وهي موطن للصليب الأحمر ومجموعة واسعة من المنظمات الإنسانية الأخرى، على إعفاء مجموعات الإغاثة التي تنشط في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية من القانون.
وأوضحت فرانسواز بوشيه-سولنييه المسؤولة القانونية في منظمة أطباء بلا حدود “بدون استثناء إنساني، يمكن اعتبار تقديم مساعدة إنسانية أو مساعدة طبية أو حتى الاتصال بجماعة مسلحة عبر الهاتف، بمثابة تواطؤ ودعم للإرهاب”.