العدوان الإسرائيلى المستمر على الفلسطينيين كشف عن عورات دولية كثيرة، أبرزها زيف ونفاق الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
معظم هؤلاء يصدعون أدمغتنا، ليل نهار عن ضرورة احترام حقوق الإنسان، حتى ننال احترامهم ورضاءهم.
هل معنى كلامى أن حقوق الإنسان فى المنطقة العربية فى أفضل أحوالها، وأن الغرب يفترى علينا؟!
الإجابة هى لا. حقوق الإنسان العربية فى أسوأ أحوالها، والانتهاكات تتم بصورة ممنهجة منذ عقود وحتى الآن.
لكن من الواضح أن الغرب يستغل هذه الانتهاكات لتصبح سيفا مسلطا علينا لتحقيق أهداف أخرى.
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين فضحت وتفضح الولايات المتحدة والغرب عموما، فيما يتعلق بزعمهم أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، باعتبارها مبدأ إنسانيا شاملا لا يتجزأ، ولا يتوقف على دين وطائفة وعرق ولون وبلد الأشخاص أو البلدان.
نفس الأمر بالنسبة للعديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية. هى دائما تصدر بيانات شجب وإدانة للعديد من ممارسات تنتهك حقوق الإنسان فى العالم الثالث وروسيا والصين وإيران، وأى دولة لا تدور فى فلك الغرب. وهذه المنظمات تملك أحيانا الحق فى هذه الانتقادات، لكنها تقف عاجزة حينما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل، أو حتى الولايات المتحدة. هى تكتفى أحيانا ببيانات باهتة جدا.
انتهاكات حقوق الإنسان فى العالم العربى معروفة وموثقة، وهى موجهة فى الأساس ضد بعض مواطنيها. لكنها لا تقاس إطلاقا بما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى أو السورى أو اللبنانى. طبقا للقانون الدولى إسرائيل تحتل الضفة الغربية والجولان السورى ومزارع شبعا اللبنانية، وتحاصر قطاع عزة. وترفض الانصياع لكل قرارات الشرعية الدولية، بل وتواصل تهويد الضفة، والجولان وتشن عدوانا مستمرا ضد غزة، وأهل القدس وتحاول هدم المسجد الأقصى.
مجلس الأمن الدولى أصدر عشرات القرارات الملزمة لإسرائيل بإعادة الأرض المحتلة، لكن منطق الغابة والقوة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وأوروبيا يمنع التنفيذ.
ما تفعله إسرائيل فى فلسطين والمنطقة أكبر انتهاك منظم وممنهج ضد حقوق الإنسان فى أبسط تعريفاتها.
ولا نعرف كيف تدعى إدارة جو بايدن أنها وضعت ملف حقوق فى مقدمة أولوياتها، ثم ترفض حتى مجرد إصدار مجلس الأمن لبيان يدعو لوقف العدوان وقتل المدنيين، وتصر على المساواة بين القاتل والضحية!.
هذا الموقف الأمريكى كشف بوضوح أنه لا فرق جوهريا بين بايدن الديمقراطى وترامب الجمهورى العنصرى إلا فى الدرجة، فكل الإدارات الأمريكية تعترض على إصدار أى انتقاد لإسرائيل، بل وتهيئ لها كل السبل ليحقق العدوان كامل أهدافه، حتى لو كان الثمن سقوط مئات الضحايا المدنيين.
وكما قرأت لدبلوماسى مصرى مرموق، فإن تحقيق القاضى الجنوب إفريقى الشهير ريتشارد جولدستون فى عدوان إسرائيل على غزة عام 2014، والذى جاء فى 575 صفحة خلص إلى أن الجيش الإسرائيلى ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية، وعند عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، جاء التصويت صادما. أمريكا وإيطاليا وهولندا وسلوفاكيا والمجر وأوكروانيا صوتوا ضد التقرير، وبلجيكا والنرويج واليابان وكوريا الجنوبية وسلوفينيا امتنعوا عن التصويت وبريطانيا وفرنسا تغيبتا عن الاجتماع، وهو نفس نمط التصويت تقريبا عام 2012 فى مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو.
وبعد العدوان الأخير فإن النمسا وتشيكيا وسلوفينيا رفعت العلم الإسرائيلى فوق مقراتها، والملاحظة أن غالبية بلدان شرق أوروبا تتماهى تماما مع العنصرية والعدوانية الإسرائيلية، وتنكر على الفلسطينيين حتى مجرد الشكوى، وهو أمر يحتاج إلى دراسة وتمعن.
لكن للموضوعية فهناك دول أوروبية أخرى لها مواقف محترمة جدا تضامنا مع الشعب الفلسطينى، وكذلك مؤسسات غير حكومية أوروبية.
مرة أخرى هذه الكلمات ليست دعوة للتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان فى البلدان العربية والإسلامية، ولكنها إشارة مهمة لنتأكد أن غالبية دول الغرب ــ وليس كلها ــ شديدة النفاق والرياء، حينما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل وعدوانها المستمر ضد الشعب الفلسطينى، وبالتالى فحينما تتحدث أمريكا وبلدان أوروبية عن حقوق الإنسان فى بلداننا، علينا أن نكون أكثر يقظة، وأن الأمر لا يتعلق باقتناعم ودفاعهم عن حقوق الإنسان، بل لتحقيق أهداف ومصالح سياسية محددة، والدليل على ذلك أنهم ما يزالون يدعمون العديد من الأنظمة شديدة القمعية فى العديد من بلدان العالم!.
الأمر فقط يتوقف على أين تكمن مصالحهم!
عماد الدين حسين
كاتب صحفي
نقلا عن الشروق