بيروت – عند الحديث عن اللاجئين في لبنان، قلما يحضر الى الأذهان «السودانيون» منهم، على الرغم من أنهم من أقدم اللاجئين في هذا البلد، ما يعكس حجم التهميش بحقهم، ويجعلهم يعانون في صمت.
رحلة لجوئهم إلى لبنان بدأت منذ نحو 20 عاماً، وتختلف أسبابها من شخص إلى آخر، فمنهم لأسباب سياسية إبان حكم نظام عمر البشير (1989 -2019)، ومنهم نتيجة الاضطهاد في ظل النزاعات العرقية والقبلية.
ويبلغ عدد اللاجئين السودانيين المسجلين في لبنان لدى مفوضية شؤون اللاجئين 1803 لاجئين، إلا أن عدد طالبي اللجوء الذين لم يُبت في ملفاتهم بعد، يُشكل نحو ضعفي عدد المسجلين.
وفي كلتا الحالتين، فإن هؤلاء لا يحظى جميعهم بمساعدات الغذاء والسكن، ومن تصله المساعدات لا تكون كافية لسد الاحتياجات المعيشية، وفوق كل ذلك تزيد الممارسات العنصرية معاناة ذوي البشرة السمراء.
** البحث عن وطن ثالث
ويطمح جميع اللاجئين السودانيين لإعادة توطينهم في بلد آخر، عن طريق مفوضية شؤون اللاجئين، لكن معظمهم لم يحظ بعد بتلك الفرصة، ويؤكدون في الوقت نفسه استحالة العودة إلى بلدهم بسبب الظروف الأمنية هناك.
ولا يقطن اللاجئون السودانيون في تجمعات أو مخيمات على غرار اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين، إنما في شقق منفردة يستأجرونها بشكل جماعي، ويستقبلون فيها من يلجأ حديثاً من أبناء وطنهم إلى لبنان.
في إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت، تزدحم شقة سكنية صغيرة بـ18 لاجئاً سودانيا، قرروا أن يقطنوا مع بعضهم، بسبب عدم توفر المال لديهم، فيتشاركون مع بعضهم لدفع إيجار هذه الشقة.
وقال «خطيب»، أحد قاطني هذا المكان، إنه وبقية اللاجئين الآخرين يتوزعون في الغرف لأن الشقة ضيقة جداً بالنسبة إلى عددهم الكبير، وبعضهم ينام في المطبخ والبعض الآخر على الشرفة.
وأضاف «خطيب»، للأناضول، أن المبنى الذي يضم شقتهم المستأجرة، مهدد بالسقوط، كما أنهم يعانون من تسرب مياه الشتاء من السقف، وقد تمر أيام متتالية عليهم من دون نوم بسبب تلك الظروف الصعبة.
أما عن الطعام والغذاء، «فالعدس المغلي بالمياه هو طبقنا اليومي والوحيد، نعدّه ونتناوله جميعاً، فلا إمكانية لدينا لشراء نوع آخر من الطعام»، وفق خطيب، الذي ناشد في ختام حديثه المعنيين مساعدتهم.
ويشكل اللاجئون السودانيون في لبنان 9 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين كالعراقيين والإثيوبيين والمصريين والصوماليين، باستثناء السوريين والفلسطينيين.
إلا أنهم يشكون من تمييز تجاههم من ناحية الاهتمام بهم وتقديم المساعدات لهم، مقارنة بالجنسيات الأخرى.
** تمييز عنصري
أما «مريم»، التي وصلت لبنان منذ 3 سنوات، فنقلت للأناضول معاناة معظم النساء والأطفال السودانيين اللاجئين، حيث يعاني هؤلاء تمييزاً عنصرياً في كثير من الأحيان، لا سيما في المتاجر والمدارس.
وقالت إن «هناك تمييزا عنصريا واضحا تجاه لون بشرتنا السمراء».
وأشارت مريم، إلى أن «بعض المدارس ترفض استقبال أبنائنا لهذا السبب».
كما لاحظت أن «ممارسات التمييز بحقهم زادت في زمن جائحة كورونا».
وأضافت مريم، أنها «من المستحيل أن تعود إلى السودان بسبب النزاعات القائمة هناك، لا سيما في إقليم دارفور (غرب) حيث كانت تعيش، وما يرافق ذلك من انتهاكات إنسانية لا سيما بحق النساء.
وفي السنوات الماضية، انتقدت منظمات حقوقية من بينها «هيومن رايتس ووتش» اعتقال السلطات اللبنانية لبعض اللاجئين السودانيين، وترحيلهم إلى بلادهم، بعد توقيفهم لعدم حيازتهم أوراق إقامة.
** معاناة زادتها كورونا سوءا
بدوره، قال اللاجئ السوداني أيوب هارون، إنه يعاني ككثير من اللاجئين صعوبة في تأمين الغذاء والسكن.
وأشار إلى أن الوضع ازداد سوءا في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان، وجائحة كورونا.
وأضاف أيوب، «نعاني كثيراً في تأمين المياه لاستعمالها سواء في الوضوء أو في تنظيف الأواني، وأحياناً نبقى أسبوعين من دون استحمام بسبب ذلك».
معظم تلك المعاناة، أكدتها ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، في حديثها للأناضول، وقالت إن اللاجئين بمختلف جنسياتهم في لبنان يعانون جراء الأزمات المتفاقمة.
وأضافت ليزا، إن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات لكل اللاجئين من دون تفرقة بين الجنسيات، وتحاول أن تلبي الفئات الأكثر حاجة بالمساعدات الإنسانية والدعم المالي والحماية القانونية والرعاية الصحية وغيرها.
وأشارت إلى أن «المطلب الأكبر للاجئين وخاصة السودانيين إعادة توطينهم في دولة ثالثة».
واعتبرت ليزا، أن «هذا الحل ينقذ حياة اللاجئين، لكن للأسف فإن نسبة قليلة جداً منهم يحظون بتلك الفرصة».
وقالت إن «المفوضية تحث الدول التي لديها الاستعداد لتوطين اللاجئين على استقبال أعداد أكبر منهم».
وكشفت أن «هذا العام سيتم تقديم ملفات لاجئين في لبنان من مختلف الجنسيات من أجل توطينهم في دول جديدة».
وفي 2019، شهد محيط مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت اعتصاماً لعشرات اللاجئين السودانيين استمر أكثر من 3 أشهر، ضد ما وصفوه بتأخير البت في ملفات طالبي اللجوء العالقة منذ سنوات.
وليس كل السودانيين في لبنان هم من اللاجئين، إنما يوجد جالية تضم نحو 5 آلاف مهاجر لديهم إقامات رسمية، يعملون في قطاعات حيوية، ومنهم جاء سعياً للعلم، لكن الأزمة الاقتصادية في لبنان دفعت ببعضهم مؤخراً للعودة إلى بلدهم.