بدأت محكمة في إسطنبول أمس (الجمعة) إعادة محاكمة متهمين في قضية احتجاجات جيزي بارك رغم تبرئة بعضهم في السابق ما أثار الجدل والتساؤلات حول ضغوط مارسها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أجل إعادة المحاكمة بعد أن سبق واعتبر الاحتجاجات محاولة للإطاحة بحكومته. وانطلقت أمس محاكمة جديدة بحق 16 من المتهمين بالتورط في التخطيط وقيادة احتجاجات متنزه «جيزي بارك» التي وقعت في إسطنبول في مايو (أيار) 2013 احتجاجا على إزالة جزء من المتنزه الذي يعود إلى عهد مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك لصالح مشروع تطوير ميدان تقسيم، لكن سرعان ما اتسع نطاقها وتحولت إلى احتجاجات على سياسات حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان، رئيس الجمهورية الحالي، ويواجه المتهمون، الذين حصل بعضهم على أحكام بالبراءة في المحاكمة الأولى، تهم من بينها محاولة قلب نظام الحكم.
وكان إردوغان قال عقب صدور قرارات البراءة بحق المتهمين: «انظروا، هذه ليست قضايا تمرد بريئة. هؤلاء هم بجدية وراء الكواليس…»، وهو ما اعتبر بمثابة تدخل في القضاء وتلميح مباشر إلى إعادة المحاكمة.
ويحاكم في قضية احتجاجات جيزي أيضا رجل الأعمال الناشط البارز في مجال المجتمع المدني، عثمان كافالا، المسجون منذ أكثر من 3 سنوات، والذي أفرج عنه في فبراير (شباط) الماضي وأعيد اعتقاله على الفور بتهم أخرى بينها التجسس والتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016، ونسبتها الحكومة إلى حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، وذلك بعد تبرئته من تهمة محاولة قلب نظام الحكم والنظام الدستوري للبلاد.
وهرب 7 من المتهمين في القضية إلى خارج البلاد فرارا من قمع الحكومة والحملات التي بدأت على خلفية الاحتجاجات، من بينهم رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» السابق جان دوندار الذي يقيم في ألمانيا.
وكانت المحكمة قررت سابقا فصل القضايا وتمت تبرئة كافالا وبقية المتهمين. ومع ذلك، أعيد إلقاء القبض على كافالا بشكل فوري بتهم جديدة تتعلق بمحاولة الانقلاب عام 2016، حيث ينفي كل التهم المنسوبة إليه، إلا أنه أعيد دمج هذه الإجراءات في المحاكمة التي انطلقت أمس.
وطلبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ديسمبر (كانون الأول) 2019 بالإفراج عن كافالا لعدم وجود أدلة ضده، وتعد قرارات المحكمة الأوروبية ملزمة لتركيا، على أساس أنها دولة عضو في مجلس أوروبا، لكن إردوغان أكد أن تركيا لن تلتزم بالقرارات الصادرة عنها.
وألغت محكمة تركية في يناير (كانون الثاني) الماضي، حكما بتبرئة 9 أشخاص تتهمهم السلطات في أحداث مواجهات جيزي، ومحاولة الإطاحة بالحكومة. وقضت محكمة الاستئناف في إسطنبول في حكمها بإلغاء حكم البراءة، بإعادة الملف إلى المحكمة التي بدأت فيها الإجراءات لإعادة النظر فيه، وفقاً للقرار القضائي الجديد. واتهم التسعة لأدوارهم المزعومة في الاحتجاجات. وانتقدت منظمات حقوق الإنسان المحاكمة، التي تمت مراقبتها دوليا ووصفتها بأنها ذات دوافع سياسية ومحاولة للتضييق على المعارضة.
على صعيد آخر، أقام محامو إردوغان دعوى قضائية ضد رئيسة حزب «الجيد» المعارض ميرال أكشنار بعد أن شبهته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالبين بتعويض يبلغ أكثر من 30 ألف دولار.
كانت أكشنار قالت، الثلاثاء، أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبها إن نتنياهو يسبب، كما إردوغان، أزمات للبقاء في السلطة، مضيفة أن «نتنياهو، الذي هو نوعا ما النسخة الإسرائيلية لإردوغان، لم يتردد في استهداف المدنيين والأطفال لتقويض فرص خصومه السياسيين والبقاء بهذه الطريقة في منصبه» في إشارة إلى الغارات الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
كما قضت محكمة تركية، أول من أمس، بتغريم رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو 17 ألف دولار بسبب تصريحات سابقة، اتهم فيها أسرة إردوغان بالتورط في عمليات تهرب ضريبي. وكان كليتشدار أوغلو اتهم أفرادا من عائلة إردوغان، ومقربين منه، بنقل ملايين الدولارات إلى جزيرة مان، وهي محمية بريطانية ترتبط بعمليات تهرب ضريبي.
في شأن آخر، صعدت المعارضة التركية من مطالبتها باستقالة وزير الداخلية سليمان صويلو على خلفية تسجيلات نشرها عبر «يوتيوب» زعيم المافيا الهارب سادات بكير التي تحدث فيها عن صلات قوية له وعائلته مع صويلو مكنته من الانضمام إلى حزب «الطريق القويم» قبل انضمامه إلى الحزب الحاكم عام 2012 وأنه وفر له الحماية في بعض الأحيان وساعده على الهرب عام 2018 وأبلغه بموعد حملة أمنية كان سيتم خلالها القبض عليه.
وطالب رئيس حزب «المستقبل»، أحمد داود أوغلو، بتشكيل لجنة تحقيق في البرلمان للكشف عن الحقائق في هذه القضية التي أثارها زعيم المافيا، مطالبًا صويلو بالاستقالة. وكان سادات بكير من المقربين من حزب العدالة والتنمية الحاكم ونظم العديد من المسيرات واللقاءات الجماهيرية لجمع الأصوات للحزب، وسبق أن هدد باسم إردوغان المعارضين قائلًا: «سنسيل دماءهم مثل الأنهار ونعلق أجسادهم على أعمدة الإنارة في الشوارع»، كما سبق له الظهور في العديد من الصور واللقاءات مع قيادات الحزب وحزب الحركة القومية الموالي له، وتسببت تسجيلاته في جدل واسع في تركيا.