كان لافتًا فى بيان الرئاسة المصرية حول الاتصال الثانى الذى تلقاه الرئيس السيسى من نظيره الأمريكى «جوزيف بايدن»، الثلاثاء ٢٥ مايو،
أن اختتم البيان بالإشارة إلى أن الرئيسين بحثا فى الاتصال بعض الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بما فيها «ملف حقوق الإنسان»،
والتأكيد على الالتزام بالانخراط فى حوار شفاف بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الصدد.
البيان الرئاسى أراه اتسم بالشفافية والجرأة، بكشف أن ملف حقوق الإنسان كان ضمن محاور المباحثات بين الرئيسين،
فمصر ليس لديها ما تخجل منه، ولا نقول إن الملف ليس به قصور ولا يحتاج لإصلاح، بل العكس،
هناك نقاش داخلى مصرى مستمر:
بين مختلف قوى المجتمع المدنى ومؤسسات الدولة على مدى السنوات الماضية حول ضرورة إصلاح هذا الملف بشكل كامل،
كان آخرها مطالبات من بعض منظمات حقوق الإنسان فى مصر ومن مؤسسات بحثية ومن كيانات سياسية بضرورة مراجعة قانون الحبس الاحتياطى،
وضرورة الإفراج عن عدد من المحبوسين من القوى المدنية ممن لم يتورطوا فى أعمال عنف أو إرهاب أو التحريض على عنف أو دعم تنظيمات إرهابية كتنظيم الإخوان.
وهذا نابع من رغبة مصرية داخلية فى الأساس وليس كرد فعل على تدخلات خارجية،
فالملف على أجندة السياسة الداخلية المصرية قبل أن يكون على أجندة بعض الحكومات والمؤسسات الدولية،
وهو ضمن رؤية مصر ٢٠٣٠ التى تنظر إلى حقوق الإنسان بمفهومها الشامل.
ولكون الملف على قائمة اهتمامات الإدارة السياسية، هناك تحضير حاليًا لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان،
وهى الأولى فى مصر، وتهدف إلى دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان فى المشروع التنموى لمصر،
وحرصت الدولة ممثلة فى:
- السفير أحمد إيهاب جمال الدين، الأمين العام للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان والمسائل الإنسانية والاجتماعية الدولية،
على مشاركة ممثلى منظمات المجتمع المدنى وممثلى القوى السياسية فى صياغة وإعداد هذه الاستراتيجية الوطنية.
ما حققته ونفذته إدارة الرئيس السيسى على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين عظيم ويستحق الدعم والإشادة،
حتى الحقوق السياسية أخذت مصر فيها خطوات كبيرة، فقد انتهت الحكومة من إطلاق اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩،
الذى ينظم عمل منظمات المجتمع المدنى التى تلعب دورًا حيويًا حاليًا فى مشروع بناء مصر الجديدة أو الجمهورية الجديدة على كل الأصعدة،
عبر شراكات واتفاقيات تعاون تقوم بها هذه الجمعيات والمؤسسات مع الحكومة المصرية.
أما على مستوى ترسيخ قواعد الحكم الرشيد وتعميق دولة القانون والدستور:
فلا يمكن تجاهل ارتفاع ترتيب مصر فى مؤشر مكافحة الفساد العالمى، ولا خطوات مصر فى التمكين السياسى والاقتصادى والاجتماعى للمرأة والشباب،
ولا خطوات ترسيخ قيمة المواطنة وتحقيق المساواة الكاملة بين كل مكونات المجتمع، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو المنطقة الجغرافية،
فوصلنا إلى مرحلة تراجع فيها بشكل كبير للغاية خطاب الكراهية والتطرف الذى ساد مصر على مدى عقود مضت،
خاصة تجاه مسيحيى مصر، فوجدنا إدارة مصرية تنسف كل هذه الموروثات البغيضة، وتقرر غلق منابع التطرف،
وتشرع فى إزالة كل العراقيل التى كانت تبطئ مثلًا ترميم أو بناء كنيسة، لترسخ حرية العبادة لكل المصريين.
حتى ما كان يثار فى سنوات مضت من ادعاءات عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان فى أقسام الشرطة وداخل السجون لم نعد نسمع عنها،
وهناك اهتمام كبير من القيادة السياسية المصرية بهذا الأمر، وتحديدًا منذ ٢٠١٥،
إذ تبنت استراتيجية لتحسين جودة الخدمات التى تقدمها المؤسسات الشرطية للمدنيين،
وجعل برامج التدريب والتأهيل لأفراد الشرطة على رأس عملية الإصلاح والتطوير والتحديث لهذا الكيان الشرطى الكبير
الذى قدم العشرات من أبنائه دماءهم خلال السنوات الماضية فى معركة الأمة المصرية ضد الإرهاب الأسود فى سبيل أن يحيى المصريون فى أمن وأمان.
لا يمكن بالتأكيد حصر العلاقات المصرية الأمريكية فى ملف حقوق الإنسان،
فرغم حيوية الملف لإدارة بايدن أو بمعنى أصح حيويته لمجموعات الضغط من اليسار، والليبراليين الجدد داخل المعسكر الديمقراطى المؤيد لبايدن،
ورغم التحليلات التى أشارت إلى أنه سيكون أداة ضغط أمريكية على القاهرة،
إلا أن الاتصالات الأخيرة بين بايدن والرئيس السيسى:
أثبتت عدم صحة هذا الطرح، وأثبتت أيضًا أن أدوات الضغط هذه، والتى استخدمتها واشنطن من قبل إبان حقبة أوباما، لم ولن تجدى نفعًا مع القاهرة.
فالشراكة بين الدولتين منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩ بين مصر وإسرائيل وصلت إلى مرحلة من التعاون والتنسيق الاستراتيجى وتحقيق المصالح الحيوية لكلا الطرفين،
ما يدفع دائمًا الفاعلين فى واشنطن والقاهرة إلى ضرورة استمرار هذه الشراكة وتوسيعها،
وهذا ما تعيه مؤسسات الدولة العميقة الأمريكية كالبنتاجون ومجتمع الاستخبارات،
التى كانت تحرص دائمًا على تجاوز أى خلاف فى بعض الملفات بين القاهرة وقاطن البيت الأبيض أيًا من كان.
فواشنطن تعى النفوذ المتصاعد لمصر حاليًا فى الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمى،
وقد أثبتت أحداث غزة والقدس الأخيرة وما قبلها فى قضايا وملفات إقليمية عديدة أنه من الصعب استبدال دور وتأثير مصر فى الشرق الأوسط،
وأن محاولات ملء الفراغ الجيو استراتيجى الذى شهدته المنطقة فى سنوات ما بعد يناير ٢٠١١،
والذى حاولت بعض القوى غير العربية:
- تركيا
- إيران
- إسرائيل
- حتى العربية، مدفوعة بحالة السيولة التى كانت تشهدها مصر داخليًا
قد باءت جميعها بالفشل.
حتى النظريات والتحليلات التى قدمتها بعض مراكز الأبحاث الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، عن تراجع النفوذ والدور المصرى لم يعد لها محل من الإعراب،
بعد أن عظمت إدارة الرئيس السيسى منذ ٢٠١٤ مكامن القوة الشاملة للدولة المصرية اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وأمنيًا،
ما ساعدها فى إعادة الاستقرار والأمن للداخل المصرى، وساعدها أيضًا فى إعادة رسم التحالفات الإقليمية وفقًا للرؤية المصرية،
بما أسهم ويسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى.
انفتاح إدارة بايدن الأخير بشكل واسع مع مصر، الذى ظهر فى الاتصالين الهاتفين اللذين أجراهما بايدن بالسيسى،
والذى ظهر أيضًا فى زيارة أنتونى بلينكن الأخيرة إلى القاهرة، وتأكيده الدور والثقل السياسى لمصر فى الإقليم،
أراه بداية حقيقية لانفتاح أكبر بين الدولتين للتحضير لعودة الحوار الاستراتيجى بينهما،
وهذا الحوار الاستراتيجى أظن أنه يحتاج تفاعلًا وانخراطًا أكبر من المراكز البحثية والأحزاب والمؤسسات البرلمانية فى مصر مع المؤسسات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية، للنقاش والتباحث حول سبل تعزيز التعاون والتنسيق المصرى الأمريكى سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا،
فواشنطن شريك استراتيجى للقاهرة ولا يزال لها الدور الأكبر فى تحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط،
ولا تزال تتمتع باليد العليا فى حسم القضايا والأزمات الإقليمية والدولية
التى تتقاطع مع المصالح المصرية كالقضية الفلسطينية وأزمة سد النهضة الإثيوبى والملف الليبى وملف الإرهاب العابر للحدود وغيرها،
ولا أعتقد أن ملف حقوق الإنسان المصرى سيشكل عائقًا لتحقيق هذا الهدف،
هو فقط يحتاج من مصر أن تعيد تقديمه وتسويقه بشكل آخر للعالم فى صورة مغايرة
لما تحاول بعض المنظمات الدولية المسيسة وبعض التنظيمات المعادية لمصر، كتنظيم الإخوان الإرهابى، رسمه عن مصر وأوضاعها.
جيوستراتيجية
إقرأ أيضاً:
1 thought on “ملف حقوق الإنسان على أجندة القاهرة – واشنطن”