طالب الشعب التونسي بدستور جديد مناسب للأوضاع السياسية التى تعيشها تونـس أخيرا، لسان حال الشارع التونسى بعد خروج التونسيين، رافضين الدستور القديم المعروف بدستور 2014 الذى كان يطبق فى عصر حركة النهضة، ومن هنا بات هذا الدستور منتهى الصلاحية، ولا يناسب التغييرات السياسية التى تشهدها البلاد بعد ثورة التوانسة على حكم الإخوان، لا سيما فى رفض البعض تنقيح هذا الدستور، الذى كان ملائما أكثر للنظام السياسى الحاكم قبل 25 يوليو، وبه مادة تحرم تعديله، وتنص على أن أى مساس بالدستور هو مساس بشرعية الحكومة، ومن هنا أصبح الاختيار ما بين الاستجابة لمطالب الشعب أو الخضوع لإرادة حاكمة، سيطرت على البلاد لمدة عشر سنوات، لتحقيق مطالبها دون رغبات الشعب التونسي.
يقول د. رابح الخرايفي، محام بالمحكمة العليا وباحث فى القانون الدستورى والقانون النيابي، وعضو المجلس الوطنى التأسيسي:
الدستور الجديد سننتقل معه من نظام برلمانى مشوه فى تونـس، إلى نظام رئاسى يلعب فيه مجلس نواب الشعب دورا بارزا،
وهذا الدستور سيجعلنا نتخلص من التسيب والصراع الحزبى غير المفيد للدولة على التعيينات فى الدوائر الحكومية،
ثم إنه يمكننا من آليات حل البرلمان عندما ينحرف بمهامه.
ويضيف الخرايفى:
نضرب المثل فى ذلك أنه من قبل، عندما وجه رئيس الجمهورية فى خطاب رسمى اتهاما لحركة النهضة بالإعداد لاغتياله،
كان ذلك بمثابة زلزال سياسي، يقع التعامل مع الخبر سياسيا وقانونيا،
فاتهام رئيس الجمهورية للنهضة باغتياله يعمق عزلتها الشعبية، ويوسع قاعدة الناقمين عليها،
ويزيد من شعبية الرئيس قيس سعيد لدى التونسيين والتونسيات، وهذا ما يثبته نسبة 92 بالمائة من المؤيدين لقرارات الرئيس التى اتخذها يوم 25 يوليو،
وقانونيا، لم يفتح النائب العام بحثا فى هذه التصريحات الخطيرة حتى الآن،
والشعب مازال ينتظر متابعة كل المتورطين من الإخوان فى الشروع فى الإعداد لقتل الرئيس.
ويتابع:
فى النظام الرئاسي، سوف تكون الحكومة محدودة العدد، وستؤدى اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وليس مجلس النواب،
وستكون فى شكل وزراء مساعدين للرئيس، أكثر منها حكومة، كما هو الأمر فى النظام البرلماني،
لكن بشكل عام البلاد مستقرة إلى حد الآن، ولا توجد مشاكل أو اضطرابات،
كما أن هناك ارتياحا شعبيا عاما لسياسة مكافحة الفساد والقبض على الفاسدين وإحالتهم إلى القضاء.
وعما سيفعله رئيس الجمهورية بعد الإجراءات القانونية الاستثنائية، قال الخرايفى:
أعتقد أنها ستكون فرضيات دستورية، تضمن إمكانية عودة مجلس نواب الشعب للعمل،
واستئناف السير العادى للعمل، لكن هذا مستبعد لأن المجلس انتهى واقعيا وفعليا،
لكن الفرضية الدستورية الأقرب للتحقق، هى صدور قانون تنظيم مؤقت لتنظيم السلطة،
يقع بموجبه تعليق العمل بالدستور والشروع فى إعداد مشروع مسودة دستور، ينهى النظام السياسى والدستورى الحاليين،
وذلك إنهاء للنظام البرلمانى والعودة للنظام الرئاسي، كما أن التعامل مع حركة النهضة كأغلبية برلمانية، فازت بأموال فاسدة،
ملفها أمام القضاء المكافح للفساد، يمكن أن ينتهى بإبطال نتائج الانتخابات، ويحال الملف إلى القضاء لحل الحزب وإنهائه من الحياة السياسية.
مؤكدا أن الدعم العربى للرئيس، هو دعم لاستئصال الورم الإخوانى المدمر للمجتمعات العربية والمعوّق للتنمية وللنمط المدنى للدولة والنظام الجمهوري،
ومن هنا جاء قول ماكرون «يمكن لتونـس أن تعتمد على فرنسا».
ويستكمل وليد الوقيني، الناشط بالمجتمع المدني، والناطق الرسمى السابق باسم وزارة الداخلية، قائلا:
النظام التونسى القديم ومعه الدستور، أثبتا فشلهما، نظرا لأن هذا الدستور طيلة السنوات السابقة، جعل الدولة فى حالة ضعف، عاجزة عن اتخاذ القرارات،
فلا توجد سلطة قوية، تستطيع أن تدير الدولة بشكل عام فى كل المجالات،
وهذا تسبب فى عجز الدولة عن تقديم الخدمات العامة للمواطن بشكل كاف، كما أدى ذلك إلى وجود مراكز لأنماط غريبة وظهور عدد من اللوبيات فى تونـس،
كان أكبر همها السيطرة على القرار السياسي،
إلى جانب أن هذا الدستور لم يساعد على حل أهم القضايا الكبرى مثل قضية الإرهاب ومحاربة الفساد، وكذلك جائحة كورونا وما حدث من أزمات بسببها.
ويضيف الوقينى:
الشعب التونسى عندما خرج للشارع عبر عن رغبته فى وجود نظام سياسى قادر على القيادة الحاكمة، وعلى اتخاذ القرار،
وأصبح الأساس هو وجود شخص واحد يحاسب وليس عدة أشخاص، تختزل خلف المعطيات السياسية من أجل تحمل المسئولية،
ولذلك نحن فى حاجة للدستور كمطلب شعبى وخطوة ملحة لإدارة البلاد،
وهذا الدستور الجديد لابد من إقامة استفتاء شعبى عليه للتأكيد على أهم القيم والأسس،
وهو ممارسة الديمقراطية المباشرة، وحتى لا يتسنى لنا أن نشكك فى هذا الاستفتاء، وهذه الخطوة الدستورية لابد من أن تعد لجنة لهذا الدستور،
ثم يتم عرضها على الاستفتاء الشعبي، لأنه فى الأساس مطلب شعبى لحل القضية الدستورية،
وذلك لابد أن يتم سريعا، لأنه من الوارد الاعتداء مثلا على رئيس الدولة شخصيا،
لأنه من المعروف أن الأحزاب الدينية، تتبع أسلوب الاعتداء على كل من يخالفهم فى الرأي،
وهذا الاتهام ليس غريبا، لأننا كتونسيين نتوقع أنه سيتم استهداف الرئيس قيس سعيد فى نهاية الأمر، لأنه أنهى حزب مملكة الإخوان فى تونـس وأتباعها،
واليوم أصبح على كل المهتمين بالشأن العام، أن يأخذوا كل هذه الاتهامات بجدية،
لأن هناك العديد من الصفحات وعدد كبير من الناشطين التابعين للإخوان، يمثل حديثهم تهديدا للرئيس قيس سعيد، ونحن لا نعرف إذا كان هذا الطرف الدينى «إخوان» أم لا.
ويتابع:
لكن فى حقيقة الأمر، لأن المصلحة متقاطعة فى كل الأحوال، لن يستمر هذا الوضع،
خصوصا أنه من قبل كان هناك اتهام بأن هناك صمتا على سلوكيات الإخوان، بالرغم من أن هذا لم يحدث طيلة السنوات الماضية،
فكان هناك كشف عن هذه الممارسات، من شخصيات عديدة وعدد من الأحزاب السياسية والرموز الوطنية،
فلم يسد الصمت التام، بل كانت توجد سلبية، بالرغم من أنه كان هناك تحركات من قبل الدولة التى رفضت أن تبنى على عقلية الغنيمة والفوز بالدولة،
والآن يجب أن يكون التفكير بعقلية، وهو «بناء تونـس بكل التونسيين».
ويشير الوقينى إلى:
أنه لابد من البحث عن حل لكل القضايا المعلقة، وليس الدستور وحده، فمثلا فى الملف الليبي،
وما حدث فى تونـس قبل 25 يوليو، كان هناك عدد من الأطراف تتعامل فى الملف الليبى وليست دولة واحدة،
اليوم عندما يصبح للدولة التونسية الصوت، الذى كان يمثل الدبلوماسية الرسمية لتونـس البرلمانية أو الدبلوماسية الحزبية،
سيساعد هذا الحل فى وجود علاقات أكثر متانة مع الشعب الليبى ونجاحا فى إيجاد الحلول التى يجب القيام بها فى ليبيا.
وأن ما يجب الاهتمام به فى تونـس من أجل معالجة الظواهر السلبية التى أخلت بالأمن القومى التونسى خصوصا فتح الخيمات الدعوية وغيرها،
أى إن حركة النهضة وغيرها من الأحزاب، بعد 14 يوليو قد تعاملت بعقلية إيقاف عمل مجلس النيابي،
وهذا ليس له علاقة بحركة النهضة فقط، بل اليوم هى ظاهرة يقاومها الشعب لتونسى وهى ظاهرة الفساد،
ولأن هذه المرحلة سوف تساعد الدول فى استرداد أنفاسها حتى تسيطر على قرارها ومصيرها،
لأننا الآن عندما نتحدث عن تونـس لن نذكر الاستقرار بها فقط، بل نتحدث عن الفساد والإرهاب،
وهو ما جعل الرئيس قيس سعيد يتخذ كل هذه القرارات، وذلك لكونه يمارس عمله بشكل صحيح ودءوب من أجل ضرب معاقل الفساد والإرهاب فى تونس،
ولذلك سيكون هذا تعبيرا عن مرحلة سياسية جديدة تكون فيها تونس أقوي، ويكون قرارا وطنيا صادرا عن أجهزة الدولة، لا عن خارجها.
إقرأ أيضاً:
1 thought on “تونـس تطالب بدستور جديد”