أصدرت وحدة البحوث والدراسات بمؤسسة ملتقـى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان اليوم الأحد 14 نوفمبر 2021 تقريرا بعنون: (وضع الأمن المائى فى الوطن العربي: تداعيات وأسباب الأزمة المائية).
أكد التقرير أن توافر موارد المياه العذبة تعتبر من أهم التحديات التي تواجه معظم دول العالم في الوقت الراهن،
كما يعد توزيع المياه غير المتكافئ على القطاعات الاقتصادية المختلفة وإساءة استخدام موارد المياه من العوامل الرئيسية التي تلعب دورا مدمرا للأمن المائى في البلاد،
فضلا عن سوء توزيع الموارد المائية جغرافيا وصعوبة استغلال المتاح منها في كثير من المناطق.
لذلك تعتبر قضية المياه من أهم القضايا ذات الأهتمام المشترك بين دول العالم العربى،
نظرا لحجم المخاطر والتهديدات التي تواجه تلك الدول، ما لم يتم ترشيد استخدام كميات المياه المتاحة وتوظيفها توظيفا أمثل وخاصة مع التزايد المطرد للسكان واستمرار الصراع حول مصادر المياه العذبة المتاحة.
وتناول التقرير عدة محاور، من أبرزها:
أولا: حق الفرد في المياه:
1- التعريف بحق الفرد في المياه
ذكر التقرير أن الماء هي مورد طبيعى وحق اساسى لا يمكن للفرد الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة،
كما أن الماء هي أمر ضروري لمنع الوفاة، بسبب فقدان جسم الإنسان للسوائل، والحد من مخاطر الإصابة بأمراض منقولة بالمياه،
كما أنه ضروري للاستهلاك والطهي والمتطلبات الصحية الشخصية والمنزلية.
فالحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي هو شرط مسبق للحياة وحق من حقوق الإنسان.
وتعتبر المياه ذات أهمية حيوية للتنمية المستدامة- وفي النواحي الصحية والتغذوية والمساواة بين الجنسين والاقتصاد.
ويتضمن أيضا حق الفرد فى الحصول على مياه الـشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي في أماكن الاحتجاز؛
كما يتضمن أيضًا حق الأفراد في المشاركة في اتخـاذ القرارات المرتبطة بالمياه والصرف الصحي على الصعيد الوطني وصعيد المجتمعات المحلية.
2- الحق في المياه في القانون الدولى لحقوق الانسان والمؤتمرات والاتفاقيات الدولية
أتى بالتقرير أن الحق في المياه لم يأتي صراحة كحق مستقل في القانون الدولى،
ولكن يعد جزءا أساسيا لضمان إعمال الحق في مستوى معيشي لائق،
وتعترف به مجموعة واسعة من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان. فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان تترتب عليه التزامات محددة فيما يتعلـق بـسبل الحصول على مياه الشرب المأمونة.
وتقتضي هذه الالتزامات من الدول أن تكفل لكل شخص إمكانية الحصول على كمية كافية من مياه الشرب المأمونة، وحماية نوعية إمدادات مياه الشرب ومواردها.
أكدت الأمم المتحدة خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه في ماردل بلاتا بالأرجنتين عام 1992 على حق جميع الشعوب في الحصول على مياه الشرب بكميـات وبنوعيـة مـساوية لاحتياجاتها الأساسية،
بغض النظر عن مرحلة التنمية الـتي بلغتـها وظروفهـا الاجتماعيـة والاقتصادية.
في نوفمبر2002، اعتمدت اللجنة المعنيـة بـالحقوق الاقتـصادية والاجتماعية والثقافية تعليقها العام رقم ١٥بشأن الحق في الماء،
وأقرت “بحق كل فرد في الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليهـا ماديـاً وميسورة مالياً لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية”.
وفى عام 2007، تم اجراء دراسة من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول التزامات حقـوق الإنـسان المتعلقة بسبل الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الـصحي.
ومن خلال هذه الدراسة، أكدت الأمم المتحدة على “أنه حـان الوقت لإعتبـار الحصول على مياه الشرب والمرافق الصحية حقا من حقوق الإنسان”.
كما ذكر التقرير أنه يوجد الكثير من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي تترتب عليها التزامات متعلقة بإمكانيات الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحى.
ثانيا: وضع المياه فى الوطن العربى
1- واقع الأمن المائى في الوطن العربى:
تناول هذا المحور أن ندرة المياه تهدد التنمية في المنطقة العربية؛ إذ يؤدي كل من انخفاض وتذبذب معدلات سقوط الأمطار،
وارتفاع معدلات التبخر، وتكرار موجات الجفاف إلى انخفاض القدرة على الاعتماد على الموارد المائية وتوفرها.
ورغم شغل البلدان العربية 10% من مساحة العالم، فإن متوسط سقوط الأمطار السنوي لا يبلغ فيها إلا 2.1 %
ولا تتخطى كمية الموارد المائية الداخلية المتجددة في المنطقة إلا 6% من متوسط سقوط الأمطار السنوي الذي يبلغ عالميا 38 %.
كما أن 90 % من الأراضي بالمنطقة العربية أراض قاحلة أو شبه قاحلة نظرا لشح مياه الأمطار والتي بات التنبؤ بها أكثر صعوبة مع التغيرات الحاصلة في أنماط المناخ.
كما أن 45% من مجموع الأراضي الزراعية معرضة للملوحة، واستنفاذ مغذيات التربة، وعوامل التعرية بفعل الرياح وانجراف التربة والتصحر.
وإن كميات المياه المسنخدمة فى الوطن العربى لا تغطى الاحتياجات الكاملة لسكانها،
حيث نجد أن 30% من سكان العالم العربى لا يحصلون على مياه شرب نظيفة وكافية،
كما أن المياه المستخدمة فى الزراعة لا تسمح بتحقيق الأمن الغذائى الزراعى العربى.
كما تعاني المنطقة العربية أيضا من مشكلة توزيع المياه بين الدول والتي تعد من القضايا الشائكة خصوصا
إذ أن حوالي 60 % من المياه الجارية في المنطقة هي عابرة للحدود الدولية،
كنهر النيل مثلاً، الذي مازال مصدر خلاف حيث أوقفت في العديد من الأوقات دول المنبع (أثيوبيا، أوغندا، كينيا تنزانيا، رواندا، بوروندي، الكونغو الديمقراطية و أريتريا (التفاوض مع دول المصب) مصر والسودان (حول حصتها في مياه النيل).
ومن المتوقع أنه وبحلول عام 2025 يمكن أن يصبح العراق، وربما السودان، الدولتين الوحيدتين اللتين يزيد فيهما متوسط المياه الزائد عن 1000 متر مكعب سنويا.
وأما بحلول عام 2030 فسيؤدى التغير المناخي إلى انخفاض موارد المياه المتجددة بمعدل 20% وإلى زيادة تكرار موجات الجفاف لانخفاض معدل سقوط الأمطار،
وارتفاع الطلب المنزلي والزراعي على المياه لارتفاع درجات الحرارة،
وزيادة تسرب مياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية، مع ارتفاع مستوى سطح البحر واستمرار الاستغلال المفرط.
إن الواقع والوضع المائى التى تتمتع بيه دول الوطن العربى يشكل سياسة اقليمية معينة فيما بينهم من حيث إقامة السدود على مجراها،
ومن حيث الكيفية والأليات المتاحة لاستخدام هذا المجرى،
ومن حيث لاسيما السياسة المائية المعتمدة من قبل البلدان تجاه بعضها البعض.
2- التحديات والنزاعات العربية المائية على مدار التاريخ
ركز التقرير على نزاعيين/ تحديين لبعض الدول العربية على خلفية مصادر مياه الأنهر، هما على نزاع تركيا وسوريا والعراق على نهرى دجلة والفرات ، ونزاع اثيوبيا ومصر والسودان على مياه نهر النيل وسد النهضة.
ففي النزاع الأول، تناول التقرير أنه منذ عام 1936 ولمدة خمسة عقود،
كانت تركيا قد بدأت فى الاستفادة من مصادر المياه ووضع خطط إقامة السدود،
وتم طرح الخطة بصورة أوضح وأكثر تنظيما فى عام 1980،
كما وضعت مخططا عاما شاملاً يربط عددا من المشروعات المائية،
سُمي “مشروع جنوب شرقي الأناضول الكبير”، حيث منبع نهري دجلة والفرات.
وتلك المشروع هو أكبر مشروع في تاريخ الجمهورية التركية، وهو يتكون مما لا يقل عن 22 سدا و19 محطة للطاقة الكهرومائية منتشرة على نهري دجلة والفرات.
فقد “أدى إنشاء السدود التركية وتوليد الطاقة الكهرمائيّة على النهرين إلى خفض تدفق المياه إلى العراق بنسبة 80 في المئة وإلى سوريا بنسبة 40 في المئة، واتهمت كل من سوريا والعراق تركيا بتخزين المياه وتهديد إمداداتها من المياه.
وفي النزاع الثاني، تناول أن إثيوبيا أطلقت مشروع سد النهضة في أبريل 2011، ولم تستشر لا مصر ولا السودان،
إذ اعتبرت أن المسألة بسيطة وتتعلق بالسيادة الإثيوبية. من جهتها، تعرف مصر حق المعرفة أن النيل الأزرق،
الذي بني السد على ضفتيه، هو المصدر الرئيسي الذي يغذي نهر النيل، ويزود البلاد بالكمية الأكبر من المياه التي تعتمد عليها اعتمادا كبيرا.
لذا، اعتبرت خطوات أديس أبابا هذه بمثابة جرس إنذار للقاهرة.
وما زاد الأمور سوءا قيام إثيوبيا بالمماطلة في السماح بإجراء تقييم للأثر البيئي والاجتماعي للسد،
وهو شرط يفرضه القانون الدولي عند تنفيذ مثل هذه المشاريع.
وفي هذا الإطار، كرر الإثيوبيون مرارا تأكيدهم على أن المسألة تتعلق بسيادة بلادهم.
وفي مارس 2015، وقعت الأطراف الثلاثة وثيقة إعلان المبادئ في الخرطوم، وتعين على إثيوبيا- بموجب أحكامه- تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، التي شملت إجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي، الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين خطوة تمهد الطريق أمام إبرام اتفاق آخر يتناول المزيد من التفاصيل بين الدول الثلاث ويضع قواعد وشروطا بشأن آلية ملء خزان السد وطريقة تشغيله، لكن إثيوبيا عادت لاحقا إلى موقفها الأصلي ورفضت السماح بإجراء تقييم الأثر.
وبعد فترة تدخل الاتحاد الإفريقي وتمكن من إقناع الأطراف باستئناف المفاوضات تحت رعايته لكن هذه المرة كانت العلاقات المصرية-الإثيوبية قد ضعفت، ما دفع الطرفان إلى اعتماد صيغة مرتجلة نوعا ما وطويلة زمنيا تقضي بإجراء مفاوضات ثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان بحضور مسؤولين من الاتحاد الإفريقي أحيانا.
3- مفهوم الأزمة المائية
يمكن تعريف الأزمة المائية بأنها “خلل فى التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد عليها
والذى يتمثل بظهور عجز فى الميزان المائى يتزايد باستمرار ويؤدى الى اعاقة التنمية،
وهذا العجز هو الحالة التى يفوق حجم الاحتياجات المائية فيها كمية الموارد المائية المتجددة والمتاحة.
كما يطلق على هذا العجز (الفجوة المائية). وعندما يصل العجز المائى الى درجة تؤدى الى اضرار اقتصادية واجتماعية تهدد بنية الدولة فإنه يكون قد وصل الى ما يسمى بالأزمة المائية.”
4- أسباب الأزمة المائية في الوطن العربى
أتى بالتقرير أن المنطقة العربية تعانى من نقص فى موارد المياه، مما يؤدى الى حدوث صراعات بين الدول.
ويوجد العديد من الأسباب حول الأزة المائية فى الوطن العربى ومنها:
- ارتفاع عدد السكن فى المنطقة، مما يؤدى الى زيادة الطلب على المياه،
- ازدياد أعداد المهاجرين بنسبة لا تتفق مع موارد المياه،
- الثلوث الذى يؤدى الى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالتالى تبخر جزء كبير من المياه،
- ويوجد سبب أخر متعلق بالبعد الجغرافى، حيث تتحكم دول الجوار العربى بنحو 85% من الموارد المائية العربية. ويوجد بعض الأسباب السياسية المرتبطة بالأزمة المائية.
- غياب المعاهدات والاتفاقات الدولية حول كيفية استخدام المياه بشكل قانونى يحافظ على حق كل الدول فى المصادر المائية، وبسبب ضعف اليات والزامية القانون الدولى.
5- جهود الدول العربية والمشاريع التي تم طرحها للتصادى لازمة المياه في الوطن العربى
لقد بذلت الدول العربية العديد من الجهود لحل أزمة المياه ، وتم التخطيط لعدة مشاريع لحل الأزمة.
وركز التقرير على مشروع سحب كتل جليدية من القطب لدول الخليج واستراتيجية تحقيق الأمن المائى العربى 2009- 2025.
– مشروع سحب كتل جليدية من القطب لدول الخليج
هو مشروع إماراتي يُعلق أمالا كبيرة على جبل جليدي لمعالجة مشكلة نقص المياه. تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة،
بل ودول الخليج بشكل عام، من بين أكثر الدول اعتمادا على محطات تحلية المياه لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة.
ولكن هذه الطريقة باهظة التكلفة علاوة على أنها ضارة بالبيئة. تُلقى ملايين الجالونات من المياه المالحة في الخليج العربي،
مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة ملوحة مياهه كل عام، ومن هذا المنطلق فهذا الخيار لن يدوم على المدى الطويل.
– استراتيجية لتحقيق الأمن المائى العربى 2009- 2025
فى عام 2009 صادق المجلس الوزاري العربي للمياه على استراتيجية موحدة تمتد إلى غاية 2025
تسعى لتحقيق أمن مائي عربي، خاصة أن معظم مصادر المياه العربية من دول غير عربية،
وفتح بقوة ملف المياه العربية المحولة إلى إسرائيل.
وترتكز تلك الاستراتيجية العربية الشاملة على عدة محاور، أهمها انشاء قاعدة معلوماتية للموارد المائية العربية،
وحماية الحقوق المائية العربية، ومواجهة التغيرات المناخية في المنطقة العربية.
وتقوم هذه الاستراتيجية أيضا على رفع القدرات التفاوضية مع الدول غير العربية بشأن الاستغلال والاستفادة المشتركة من المياه، الى جانب بناء القدرات في مجال تعبئة وتخزين وتوزيع الموارد المائية، وكذلك البحث العلمي التطبيقي في كافة المجالات ذات الصلة،
خاصة ما يتعلق بتقنيات تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه المستعملة وتحسين ادارة خدمات المياه.
وأخيرا، اختتم التقرير بعدد من التوصيات لحل أزمة المياه، ومنها:
- – يجب على جميع الدول العربية القيام بمسح مائي للموارد المائية إثر إجراء التعداد العام للسكان وتحديد معدل النمو السكاني وما يجب أن يتبعه من نمو في الموارد المائية يقابـل هـذه الزيـادة وذلك لتحديد نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية الحالية والمستقبلية.
- – العمل على توجيه رأس المال العربي للاستثمار في تنمية مشروعات الموارد المائية في الأقطار العربية كإقامة السدود وحفر الآبار وإقامة المحطات الكهرمائية.
- – يجب على الدول العربية إقامة أوثق التعاون والصلات مع المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية التي تُعنى بشؤون المياه.
إقرأ أيضاً: