بسمة فؤاد
تمثل الهجرة غير النظامية الهاجس الأمني الاخطر الذي يؤرق القارة الأوروبية ، بعد أن تحولت الهجرة إلي أوروبا من ظاهرة طبيعية إلي هدف رئيسي في الحياة وحلم من احلام الشباب فى الدول الفقيرة بجنوب المتوسط ، ولا ترتبط الهجرة بظروف الهرب من ويلات الحروب أو الابتعاد عن الاضطهاد الديني والسياسي ، بل رغبة في تحقيق الثراء السريع لذلك يتجه الكثير منهم إلي الأعمال الغير القانونية بحثاً عن المال السريع .
لم تعد الهجرة الغير نظامية بعد جائحة انتشار فيروس كوفيد ١٩ هاجساً أمنياً فقط للدول المستقبلة للمهاجرين ، لكن في عصر انتشار الفيروسات أصبحت أيضاً هاجساً صحياً فى ظل الهواجس المصاحبة لانتشار الأوبئة مما يضاعف من خطرها مع اثارتها للتساؤلات حول قدرات الدول علي تأمين نفسها و سيادتها على حدودها ، كما تضر من البنيان الاجتماعي والثقافي والأمني للدول المستقبلة مع ارتفاع معدلات الجرائم التى يرتكبها المهاجرين .
واصبحت الهجرة غير النظامية تشكل رهاناً في العلاقات الدولية بين الثلاث اطراف الدولية التي تمس تلك الجريمة (الدول المستقبلة – الدول المصدرة – دول المعبر) وفي بعض الحالات تكون دول المعبر هي دول مصدرة أيضاً كما الحال في دول جنوب المتوسط كمصر وليبيا وتونس والمغرب والجزائر .
وتعد ليبيا وتونس من أهم المعابر للهجرة الغير نظامية المتجه لشمال المتوسط في القارة الأوروبية مع تفاوت الأسباب واختلاف الأوضاع السياسية فى تلك البلدان وتراجع قدرتهم علي معالجة المشكلة وارتباط نجاحها او فشلها مع تصاعد أو هبوط أعداد المهاجرين والعابرين من خلالهم ، كما تعد إيطاليا واليونان وقبرص وفرنسا من أكثر الدول الأوروبية المستقبلة والمتضررة من تصاعد ظاهرة الهجرة الغير نظامية الي أوروبا .
و تتمثل المشكلة الحقيقية للهجرة الغير نظامية في اختلاف الرؤية والنظرة للمشكلة بين دول المعبر والدول المستقبلة ، فبالتأكيد تري الدول المستقبلة بانها أولا وأخيرا قضية أمنية وتري أن علي دول المعبر أن تتصدي بكل حزم وأن تجفف منابع ومعابر الهجرة دون النظر إلي أبعاد المشكلة الأخرى كما تراها دول المعبر من أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية من الضروري معالجتها بالتوازي مع المعالجة الأمنية لاعتبارها الأسباب الحقيقية وراء الهجرة الغير نظامية حيث تتطلب المعالجة اطر متعددة للتعاون بين الدول المصدرة والدول المستقبلة فضلا عن العمل على تقنين الهجرة بطرق قانونية وفقاً لقانون العرض والطلب في سوق العمل كما فعلت ألمانيا ونجحت في معالجه الازمة والاستفادة من تلك الظاهرة السلبية بنتائج إيجابية تساعد في دعم البنية الصناعية والاجتماعية داخل ألمانيا.
ومع الاسف فى ظل وجود تلك الفجوة في الرؤية بين دول المعبر والدول المستقبلة يستمر نزيف ضحايا المهاجرين بالموت غرقاً أو خنقاً في صناديق تخزين البشر أو الموت فى غرف العمليات بعد نزع عضو من أعضاء جسدهم لبيعه مقابل تكلفه رحلة الموت وسراب حلم الحياة في أوروبا .
بالنظر الي مصر وليبيا وتونس وتباين نسب المهاجرين عن طريقهم نجد أن هناك ثلاث رؤي لمعالجة مختلفة بينهم ، فمصر علي سبيل المثال في السنوات الأخيرة قررت أن تقتحم المشكلة وأن تعالج الأبعاد المختلفة في ظل الحفاظ علي المواثيق الدولية من خلال تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتم تشكيلها في 23 يناير 2017 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 192 لسنة 2017 لتضم في عضويتها 27 وزارة وهيئة ومركز قومي وقد نجحت في وقف نزيف الهجرة وزيادة إحكام السيطرة الأمنية علي الحدود البحرية والبرية ووضع إطار تشريعي رادع بتجريم كافة أشكال تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر كما انتهجت مصر سياسة إدماج المهاجرين واللاجئين داخل المجتمع المصري مع ضمان حرية تنقلهم وحركتهم داخل مصر وعدم عزلهم ووضعهم بمعسكرات إيواء .
أما فى تونس ورغم سعيها مؤخراً للنجاة سياسياً من فوضي الحكم الاخوانى والخروج من الأزمات الاقتصادية المتتالية المصاحبة لحكم وسيطرة الأخوان المسلمين ارتفعت نسبة البطالة وزادت أعداد المهاجرين منها باتجاه دول الشمال ، و تري تونس أن علي القارة الأوروبية العجوز أن تستغل هؤلاء المهاجرين و تساعدها في معالجه ازماتهم وتقنين الهجرة الغير نظامية للاستفادة منهم وفقاً لمتطلبات سوق العمل فبرغم محاولات تونس السيطرة علي الحدود البحرية لديها إلا الخلاف تصاعد بينها وبين إيطاليا حول رؤيتها لمعالجة الظاهرة فهي تري أن أحد أهم محاور علاج الظاهرة هو أن تستفيد القارة العجوز أوروبا من الشباب التونسي بينما ترى ايطاليا عكس ذلك .
فى حين كان الوضع المترهل سياسياً وأمنياً واجتماعياً داخل ليبيا مساعدا على تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان تجاه المهاجرين وسقوطهم فريسة لعصابات الإتجار بالأعضاء البشرية للمهاجرين داخل معسكرات الإيواء التي تمولها بعض الدول الأوروبية المستقبلة كإيطاليا مع انتهاك سياسة العنف والتعذيب ضدهم داخل تلك المعسكرحتى وصل الامر الى إغراق المهاجرين عمداً امام السواحل الايطالية وهو ما وضع حكوماتها المتعاقبة في مرمي الادانات الدولية نظرا للتجاوز وخرق المواثيق والأعراف الدولية لحقوق الإنسان والمتعلقة بحقوق المهاجرين .
التباين فى السلوك بين الدول الاوروبية المستقبلة للهجرة غير النظامية يبرز سوء معالجة الاتحاد الأوروبي لظاهرة الهجرة وعدم معالجة الأسباب الحقيقية .
كل ذلك يدل علي عدم وجود رؤية واستراتيجية موحده بين الدول سواء دول المعبر بعضها البعض أو بينها وبين الدول المستقبلة أو بينهم وبين الدول المصدرة في إفريقيا مثل ساحل العاج ونيجيريا لذا علي الدول المستقبلة في شمال المتوسط و التي يقع علي عاتقها الضرر الأكبر من تلك الظاهرة أن تسعي للمعالجة وفق الاطر والاليات الاممية المتعلقة بحق الانسان فى الانتقال والعمل على تغيير رؤيتها تجاه الظاهرة وأن تسعي للتكاتف مع الأطراف الأخرى بشكل أكثر فاعليه والنظر لمساعدتها للأطراف الأخرى اقتصادياً علي أنها ليست هبه أو منحه بل جزء من علاج أخطر ظاهرة تهدد مستقبلهم القريب والبعيد .