لا أفهم لماذا يصر المحللون السياسيون العرب على استبعاد فرضية تبني الإدارة الأمريكية الحالية لمنهج جديد يقوم على فلسفة “بيدي لا بيد عمرو” في تقويض بنية النظام الدولي اللاحق على الحرب العالمية الثانية بكافة مراحله، وخاصة بالتوازنات السائدة في المرحلة الراهنة، وهي توازنات تفرضها معطيات القوة بمعناها الشامل.
فخلال سنوات قليلة، تزيح بكين واشنطن من قمة النظام الدولي، وهي إزاحة لن تكلف بكين الكثير من العناء سوى ما ستبديه واشنطن من مقاومة هنا أو إثارة بعض المتاعب هناك، وتمارس بكين الصبر الاستراتيجي.
أما وأن النتيجة محتومة، أخذاً في الاعتبار أن صناع القرار الاستراتيجي الأمريكي – ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، يسمون القرن الحادي والعشرين بالقرن الصيني – وبدون تردد.
النتيجة المحتومة تدفع بواشنطن لخيارات أكثر صعوبة للبقاء على القمة، بالتأكيد عليها أن تستخدم كل ما تملكه من فوائض قوة لمقاومة الزحف والصعود الصيني.
لكن وهذا هو الأهم، لماذا لا نتصور أن واشنطن تسعى عامدة إلى تقويض النظام الدولي القائم، لماذا لا تدفع واشنطن مثلاً بالصين وروسيا وبعض حلفائهما إلى خارج الأمم المتحدة باتجاه إنشاء تجمع عالمي جزئي جديد؟، بينما يمكن لها أن تحكم قبضتها بأدوات البطش والاستمالة على ما يتبقى من نظام الأمم المتحدة.
أليس ما وقع في أوكرانيا هو تضحية بها من أجل حصار الدب الروسي والتمدد العسكري للناتو الذي ترسخ حالياً في شرق أوروبا بمقدار 150 ألف جندي على تخوم الناتو مع روسيا و300 ألف جندي في عموم أوروبا؟. وأليس ما يجري في تايوان هو تضحية بها؟، وهل من شكوك بأن الصين عاجزة عن ضمها بالقوة العسكرية إذا ما رغبت؟ والجزيرة الصغيرة في قبضتها عملياً.
نظرة واحدة إلى تراخي إدارة بايدن في التصدي المبكر للركود التضخمي الراهن الذي أجمعت كل دوائر الاقتصاد الأمريكي قبل 15 شهراً على حتميته يمكن أن تفسر لنا انعكاس قرارات الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة على الاقتصاديات العالمية الأخرى، صحيح أن المعاناة الشعبية الأمريكية تفاقمت، وارتفع المحتاجون من 30 مليون أمريكي إلى 170 مليون أمريكي، لكن الأداء الاقتصادي الأمريكي الكلي أكثر قوة وصلابة، والدولار الأمريكي أكثر صلابة ولن يؤثر ارتفاعه سلباً في الاقتصاد الأمريكي في ضوء تراجع الصادرات الأمريكية وتنامي الواردات الصينية مثلاً بشكل مضطرد عبر العقدين الأخيرين، وامتلاك قطاعات اقتصادية جديدة تتأسس على الابتكار والتي لا يتأثر إنتاجها كم تتأثر صادرات القطاعات الأخرى.
أليس ترسيخ قوة الدولار عاملاً مهماً في مواجهة اتفاق الصين وروسيا ودول أخرى على التخلص من قبضته تدريجياً؟، وأليس ذلك مجدياً أكثر من التصاعد المستمر لعملة اليوان الصيني منذ إقرارها ضمن سلة عملات صندوق النقد الدولي؟، ألا يفسر ذلك لغز ضخ 13 تريليون دولار أمريكي في السوق العالمية غير مدركة المصدر؟.
ما أقوله ليس حكماً جازماً، بل مجرد دعوة للتفكير والتأمل في فرضيات أخرى ورادة.
علاء شلبي- محام وحقوقي مصري