احمد ناجى قمحة
رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ورئيس تحرير الديمقراطية
يوم الإثنين، الموافق الثاني عشر من ديسمبر الماضي، اجتمع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع السيد سامح شكري وزير الخارجية، حيث قام السيد وزير الخارجية بعرض التقرير التنفيذي الأول للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن إعداد التقرير شهد اشتراك الجهات المعنية فى إطار منظومة عمل وطنية متكاملة، فى تنفيذ الاستراتيجية، والتشاور مع المجتمع المدني حول أفضل الممارسات لتطبيقها على أرض الواقع. وقد اشتمل التقرير على أهم الجهود الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 ـــ 2026، مع التركيز على أبرز ما تحقق من مستهدفاتها حتى نهاية أغسطس 2022، وذلك فى إطار اضطلاع الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمهمة تنفيذ الاستراتيجية ومتابعة التقدم المحرز من قبل الجهات الوطنية فى تحقيق تلك المستهدفات.
وأشار السيد وزير الخارجية إلى أن العام الأول شهد جهدًا تأسيسيًا وتنفيذيًا كبيرًا من قبل الأمانة وكافة الجهات الوطنية كل فى مجاله، كما تناول التقرير مبادرات وقرارات السيد الرئيس وأثرها فى قوة الدفع نحو التغيير المجتمعي وتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، من بينها:
1- إلغاء إعلان حالة الطوارىء.
2- الدعوة لإطلاق الحوار السياسي الوطني الشامل.
3- إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي.
4- إعلان عام 2022 عاماً للمجتمع المدني.
5- الدفع بتولي المرأة المناصب القضائية فى مجلس الدولة والنيابة العامة لأول مرة.
6- مبادرات الضمان الاجتماعي لمواجهة آثار قرارات الإصلاح الاقتصادي.
7- تحويل مبادرة «حياة كريمة» إلى مشروع قومي لضمان جودة الحياة لما يقرب من 60% من المصريين.
8- استمرار المبادرات الإسكانية والعلاجية لدعم متوسطي ومحدودي الدخل.
وقد جاءت هذه المبادرات والقرارات تعزيزاً للحريات العامة، لاسيما حرية الرأي والتعبير، والمشاركة فى الحياة السياسية والعامة، وترسيخاً لقيم الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان بالمفهوم المصري الشامل.
كما أوضح السيد وزير الخارجية أن تجربة السنة الأولى فى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أكدت على الترابط الوثيق بين جهود تعزيز وحماية حقوق الإنسان و«استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر ٢٠٣٠»، بما يُعد بمنزلة ضمانة أساسية لنجاحهما معًا، ولتحقيق أثر شامل يرتقي بأوضاع المواطنين وحقوقهم، بما يتكامل مع التقدم المحرز فى تنفيذ المبادرات والمشروعات القومية الكبرى فى مجالات تطوير البنية الأساسية، وتوطين الصناعة والطاقة، وتحقيق الأمن المائي والغذائي، وإنشاء التجمعات العمرانية الحديثة، وغيرها.
وقد رحب السيد الرئيس بالجهود التي تبذلها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ومختلف الوزارات والجهات الوطنية لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية، التي تم اعتمادها العام الماضي بمبادرة وطنية خالصة، والتي يعد تنفيذها أولوية للحكومة المصرية لما لها من أثر إيجابي على النهوض بالمجتمع المصري، مؤكدًا سيادته على ضرورة مواصلة هذه الجهود وتعزيزها للاستمرار فى تحسين المناخ العام للحقوق والحريات فى مصر بمفهومها الشامل، بما يتسق مع ما نص عليه الدستور المصري، وتنفيذاً لالتزامات مصر الدولية، وموجهًا سيادته الحكومة بتعزيز جهودها واتخاذ مختلف الخطط والبرامج والاستراتيجيات والسياسات العامة للدولة، وتذليل جميع العقبات التي تواجه اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان فى إطار تنفيذ الاستراتيجية، وقد وجه سيادته بما يلي:
1- ضرورة مواصلة التعاون بين اللجنة ومختلف الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمجالس القومية المتخصصة لتعزيز الجهود ذات الصلة بحقوق الإنسان فى مصر فى إطار نهج تشاركي بناء.
2- مواصلة الحوار مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والآليات الأممية المعنية بموضوعات حقوق الإنسان، للاستفادة من أفضل الخبرات والممارسات فى هذا الشأن، مع التركيز على تنفيذ جميع النتائج المستهدفة للاستراتيجية فى محاورها الخمسة بشكل متساو، ترسيخاً لأسس الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمواطنة، وعدم التمييز التي تقوم عليها الدولة المصرية كركائز أساسية.
3- استمرار جهود بناء القدرات لجميع العاملين فى أجهزة الدولة المختلفة ونشر ثقافة حقوق الإنسان، ورفع مستوى الوعي بما ينص عليه الدستور والقوانين الوطنية، وكذا التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان، وما لكل فرد من حقوق وما عليه من واجبات.
4- الدفع نحو المزيد من التقدم فى مسار التطوير المؤسسي، والبناء على ما ترتب من إنشاء وحدات حقوق الإنسان فى أجهزة الدولة المختلفة، مع التشديد على ضرورة إحراز مزيد من التقدم فى مسار التطوير التشريعي، والبت فى التعديلات التشريعية المقدمة من اللجنة، بما يسهم فى تعزيز البنية التشريعية المصرية ومواءمتها مع الالتزامات الدولية لمصر.
5- دعم مؤسسات المجتمع المدني لما لها من دور أساسي فى تنفيذ تلك الاستراتيجية، مما جعلها شريكا أساسيا للدولة المصرية فى عملية التنمية، وذلك فى ضوء التنفيذ الفعال لقانون تنظيم العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019.
وإذا كانت الدولة المصرية تمضي قدمًا فى تنفيذ سياسات الاستراتيجية على الأرض، بما يحقق مفهومها الشامل لحقوق الإنسان، إلا أنه يلاحظ أن السنوات القليلة الماضية، منذ أواخر القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، قد شهدت العديد من التدخلات، التي استوقفت العديد من الباحثين فى نظم الحكم، حيث ارتكزت هذه التدخلات من قبل القوىالعظمى والكبرى فى شئون الدول النامية فى العديد من مناطق العالم على تحقيق مصالحها، انتهاكًا لمبدأ عدم التدخل فى شئون الدول، ومبدأ السيادة الوطنية، ومبدأ حسن الجوار واحترام حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وذلك فى ظل الصراع على النفوذ وتأمين الموارد لتلك القوى. ولعل هذه التدخلات قد خلقت إشكالية هي الأجدر بالبحث والتأصيل من قبل خبراء وأساتذة نظم الحكم فى الدول العربية، والإفريقية، والآسيوية، تتعلق بطبيعة الخصوصية الثقافية والهوياتية التي تشكل الوسم الحضاري لمجتمعاتها، التي قد لا تتوافق بالضرورة مع المعايير الكاملة للديمقراطية الليبرالية الغربية، وما يرتبط بها من قولبة لسلاحها الرئيسي فى التدخل فى شئون الدول الأخرى، المتمثل فى معايير وفهم موجه وقسري لحقوق الإنسان، تلك التي تصر الدول الكبرى على حصرها فى الحقوق السياسية والقانونية، وذلك دون أن تضع فى اعتباراتها الخصوصيات الوسمية لهذه المجتمعات، ولا طبيعة نظم الحكم بها، ولا درجات نموها التعليمي والعلمي والثقافي، ولا موروثاتها الاجتماعية ومكوناتها النفسية، التي تراعى أولوياتها الوطنية بما تشتمل عليه من؛ الخصوصية الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والسياسية، المعبرة عن معتقدات مجتمعاتها وهوياتها الحضارية، بما يقودها فى النهاية لتحقيق مصلحتها القومية، المتمثلة فى بلوغ أعلى معدلات التنمية البشرية المستدامة العادلة، وحفظ وصون أمنها القومي، بما ينتج فى النهاية ازدواجية واضحة فى المعايير الغربية فى التعامل مع وضعية حقوق الإنسان فى مجتمعاتنا، وهو ما تجلى، فى الآونة الأخيرة، فى الإصرار الغربي على تسييس قضايا حقوق الإنسان، وفى منحى آخر محاولة تخطي الأعراف والهويات الوطنية فى ظل سعي غربي محموم لطمس التعاليم الدينية ومحاولة نمذجة حقوق الإنسان على هواه.
كانت ساحة الصراع هي أراضى الدول العربية والإفريقية والآسيوية الأصغر -الأقل حظًا فى الحصول على حقها العادل من التنمية الشاملة المستدامة-، حيث ارتكزت الأداة الرئيسية لهذه التدخلات، فى رفع شعارات عن تمكين الشعوب من أجل تحقيق الديمقراطية وتأمين حقوقهم الإنسانية. وهى تدخلات تمت تحت دعاوى زائفة، رافعة شعارات مضللة لقيم أصيلة ونبيلة فى حياة البشرية والإنسانية. فكانت النتيجة تمكين التنظيمات الإرهابية من العمل بأريحية شديدة، مكنتها من تقويض أركان دول كبرى لها تاريخها الحضاري وإسهامها الإنساني، الأمر الذي كاد أن يصل بها لمصير الدول الفاشلة، إن لم يكن قد وصل بالبعض منها بالفعل، وهي دول طالها تخريب فكري من قبل تنظيمات وجماعات متطرفة على مدار ما يقرب من مائة عام، أسهم فى نشر الأفكار المتطرفة وبناء وعي زائف لدى قطاعات عريضة من أبناء هذه المجتمعات تجاه معتقداتهم ونظرتهم للآخر.
استغلت تلك التنظيمات هذا الأمر، مستفيدة بوفورات مالية دُعمت بها، مما مكنها من أن تحل محل الدولة الوطنية التي عجزت عن تطوير آليات التحديث وتحقيق معدلات تنمية شاملة وعادلة لمواطنيها فى تقديم الخدمات والسلع الرئيسية، وهو ما تم التمهيد له لكي تكون رأس الحربة ووريث الحكم بالقوة والعنف فى العديد من هذه البلدان، ولم يكن ليتحقق لها ذلك إلا بالدعم المباشر من الخارج الذي رأى أنها لحظة مناسبة للتغيير وخلق أنظمة حكم جديدة تتماشى مع مشروعاته التوسعية فى أقاليم العالم المختلفة بثمن أقل من المواجهة المباشرة.
مراجعات مهمة:
هذا الأمر الذي يتطلب مراجعة المسميات التي فرضها الغرب على ما شهدته دول عربية كثيرة منذ عام 2003 وحتى اليوم. فهدر مقدرات مؤسسات الدول وتحطيم نظمها المستقرة، وتأليب شعوبها باستخدام مناهج مخططة لبناء وعى زائف لديها بطبيعة ومجريات الأمور فيما حولها من تحولات وتحالفات وصراعات، وما نتج عن كل ذلك من تقسيم على الخرائط لأراضى هذه الدول إيذانًا بترسيمه واقعيًا، واستقطاع من أراضيها واقعيًا لمصلحة أنشطة التنظيمات والميليشيات الإرهابية والجيوش النظامية لقوة إقليمية وكيلة للدول الكبرى مثيرة للاضطرابات والقلاقل, كل هذا أدى إلى الانتقاص من سيادة هذه الدول، واستباحة ثروتها البشرية التي تحولت إلى لاجئين بدلًا من أن تكون مكونًا مهمًا من القوة الشاملة لهذه الدول، ناهيك عن الدمار والخراب والحرق الذي طال البنية التحتية لمدن هذه الدول وحضاراتها، إضافة إلى القتل وانتشار كل أشكال الجريمة المنظمة عبر حدودها.
ليس من شك أن كل ذلك لا يمت لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل بصلة، كذلك يتعارض مع حق الدول فى السيادة، وانتقاص من قدراتها, وإضعاف لمكونات قواها الشاملة، وهو أمر لا يجوز معه أن نستمر فى أن نطلق عليه الربيع العربي، وذلك بعدما كشفته خبرة السنوات الماضية من نتائج.
1- «الربيع العربي» وحقوق الإنسان القسرية:
هذا الربيع العربي هو الذي تم من خلاله تسويق استبدادية نظم الحكم القائمة وقت أحداث 2011، وعدم مراعاتها لحقوق الإنسان باعتبارها صلب قيم الديمقراطية الغربية، الذي تم تثوير الشعوب فى ظله تحت شعار موحد «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية»، وتم من خلاله تسويق الديمقراطية باعتبارها الحل الغربي الأنجع لمشكلات هذه الدول، التي فى غيابها تفشل هذه الدول فى التطور. لكن، فى السنوات الماضية، ثبت أن الحروب والثورات لنشر الديمقراطية قد نجم عنها عذابات متزايدة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، ويُعتبر العراق، ومعه سوريا، وليبيا، واليمن، ولبنان، الأمثلة الأبرز فى هذا المجال.
كما ثبت، من جهة أخرى، أن العامل الأهم من التخطيط وفرض الإرادة الغربية قد تمثل فى غياب إرادة القرار السياسي لدى العديد من الأنظمة فى مواجهة عاملين شكلا البيئة المناسبة للنفاذ من خلالهما ومحاولة إسقاط الدول الوطنية الكبرى، ويتمثلان في؛ أولًا، غياب القدرة وتأخير مواجهة الفكر المتطرف، وعدم القدرة على الدخول مباشرة فى معضلة تجديد الخطاب الديني، والسماح للتنظيمات المتطرفة بالتوغل فى المجتمعات، بل وإكسابها شرعية الوجود رغم الحظر القانوني لأنشطتها، إضافة إلى الدرجة غير المسبوقة من غياب التثقيف والوعي السياسي، بما سمح بنشر الوعي الزائف والكثير من المغالطات التي ارتكزت على المظلومية والتهميش لدى الكتلة الحيوية من الشباب. ثانيًا، غياب الإرادة والقدرة على الوفاء بمستويات حياة كريمة تضمن من خلالها الدول التي عصفت بها هذه الأحداث توزيعًا عادلًا لعوائد معدلات النمو الاقتصادي ومؤشراته التنموية التي تركزت على فئات معينة، وكذلك العجز عن تحديث مجتمعاتها من وفورات عوائد التنمية.
كل هذا جعل مجتمعات هذه الدول تعاني الأمِّرين من انتشار الأمراض المجتمعية والاقتصادية والسياسية، بل والثقافية، وجعلها بيئة سهلة يمكن اختراقها بشعارات براقة جرت صياغتها بعناية شديدة، لكي تتحول هذه الشعوب إلى أداة فعالة تسهم نيابة عن قوى أهل الشر فى العالم ووكلائها فى هدم مؤسسات أوطانها وتقويض أركانها بهدف تحقيق التدمير الذاتي لهذه الدول دون عناء كبير فى المواجهات العسكرية المباشرة وتكلفتها الهائلة، تلك التي فشلت فى إحداث التغيير المنشود فى أشهر تدخلين مباشرين فى أفغانستان والعراق.
فمن الخطير أن نعتبر عاملًا واحدًا ذلك المتعلق بحقوق الإنسان، وفقًا للقسر الغربي فى فهمه ومحاولة فرضه على دول الإقليم، هو الحل الوحيد المطلق لإشكاليات الدول النامية فى الإقليم والعالم. ببساطة، يتحول عندها هذا الحل إلى يقين متعجرف يؤدى إلى التطرف، ويقينًا إلى تهديد بل وتقويض الأمن القومي لأية دولة نامية لا تتمكن مؤسساتها العميقة من التصدي ومواجهة هذا التفسير الغربي القاصر والزائف لقيم وحقوق الإنسان، والمفصل نصًا لتحقيق مصالح الآخر الغربي، ولحماية من يتعاونون معه من منظمات وأشخاص لتحقيق مآربه.
ينطبق هذا الأمر على محاولة فرض شكل عولمي لنظام الحكم الديمقراطي بهوياته الثقافية وقيمه السياسية المختلفة، دون أن تعطى لشعوب ونظم الحكم فى هذه الدول حق تقرير نظام حكمها، الذي يتوافق والأنساق المجتمعية، والتقاليد العرفية، وهويتها الحضارية، ومكانة شعوبها بين الأمم.
ولا يتم خلال ذلك الإكراه -المفروض من قِبل القوة العظمى والقوى الكبرى فى العالم، على اتباع النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي- النظر بعين الاعتبار إلى التحديات المحيطة بهذه الدول، سواء رغبتها فى الحصول على حقها العادل من التنمية، أو مواجهة أنشطة التنظيمات والميليشيات الإرهابية التي تحاول أن تقود هذه الرغبة، وكذلك السياسات الداعمة من قِبل قوى إقليمية لتوفير الدعم اللوجيستي والمادي للإرهاب، وهو أمر يمكن أن يقوض كل عوامل الاستقرار داخل هذه الدول، وفى محيطها الإقليمي.
2- الإرهاب والتنمية:
ظهرت فكرة التمكين للديمقراطية ولحقوق الإنسان، كمصطلحات شائعة فى السنوات الأخيرة للكثير من المنظمات الدولية الراعية -وفقًا لاسمها- لحقوق الإنسان، وتواتر استخدامها فى أدبيات الخطاب السياسي المعاصر. وكان الظهور الأول لها فى خطابات البنك الدولي المتعلقة بالتنمية الإنسانية المستدامة المتصلة بزيادة قدرة الأفراد والدول على اتخاذ الخيارات المناسبة، وهو ما يعنى توفير الآليات اللازمة، والبيئة الفعلية والقانونية لإرساء العدالة للتمتع بمختلف الحقوق والحريات، ورفع المعوقات التي تحول دون إتاحة التمتع بها للأفراد.
تلك التي مثلت الركيزة الأساسية فى تقارير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي لمنظمة الأمم المتحدة للدول حول العالم. وكان من المتصور أن يأتي على قمة هذه المعوقات كيفية مكافحة الإرهاب، ومواجهة التمويل الإرهابي، والتمكين لحقوق الإنسان بالمفهوم الشامل، وتوجيه الدعم الدولي لتمكين شعوب هذه الدول من الترقي وتحقيق معدلات رفاهية أكثر داخل حدود دولها الوطنية، وعدم تشكيل أي نوع من التدخلات، التي يمكن أن تقوض الاستقرار الداخلي، لأن استمرار التقييم بهذه الذرائع الزائفة سيدخلنا فى دوامة لا نهائية جديدة تعمل على تمكين الإرهاب، وليس فقط كما اقتصرت العديد من التقارير القديمة التي سبقت أحداث 2011 على تمكين الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقًا للأطر الغربية.
وبما أن الإرهاب يعد أكبر المعوقات للتمكين من حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، فى الأمن، والاستقرار، والسكن، والنقل، والصحة، والتعليم، وتوفير ضمانات المواطنة الحقيقية، فإن على الدول التي تبحث وتجهد مؤسساتها فى طرح قوانين وتشريعات وعقوبات للنظر فى كيفية ارتقاء الدول النامية على سلم التطور الديمقراطي وتمكين حقوق الإنسان وفقًا لمفهومها، أن تضخ تمويلاتها شرعيًا ووفقًا لقوانين ودساتير الدول المتلقية بهدف إنفاق التمويلات فى أوجهها التنموية الحقيقية والشرعية. ولكن ما يعمق هذه الإشكالية دوليًا أن القوى الغربية لا تزال لا تتفهم ذلك، وتصر فقط على رؤيتها الضيقة كثيرًا، ولا تتخيل أنها يومًا ما يمكن أن تُستهدف بهذه التنظيمات الإرهابية، والأجدر بها أن توجه خبراءها ومنظِّريها للبحث عن تعريف دولي موحد عن الإرهاب، وعن التمويل الإرهابي.
3- مصر والغرب وحقوق الإنسان:
يهُمنا هنا أن نتعرف على المنهج المؤسسي المصري، الذي تبنى استراتيجية، مكنتها من تحقيق التوازن بين ضرورات الأمن القومي فى مواجهة الخطر الإرهابي من جانب، ومقتضيات حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية ذات الخصوصية من جانب آخر، التي تعبر عن المجتمع المصري والتجربة المصرية الوليدة بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتي توجت بتدشين الجمهورية الجديدة وقت احتفالية إطلاق المشروع القومي لتطوير الحياة فى الريف المصري المعروفة بمشروع «حياة كريمة».
تقوم هذه التجربة على التوفيق بين حماية الأمن القومي فى مواجهة الإرهاب والتمكين لحقوق الإنسان، والديمقراطية من خلال تسريع معدلات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الخدمات الرئيسية المقدمة للمواطن المصري من صحة، وتعليم، ونقل، ومواصلات، وطرق، ومشروعات تنموية قومية عملاقة تستوعب أعدادًا كبيرة من العاطلين عن العمل، وفرض سيادة القانون دون تمييز، وإعلاء المواطنة المصرية، وإصلاح وتجديد الخطاب الديني، ومكافحة الفساد، كل ذلك دون إغفال أن الهدف الرئيسي لكل ما سبق هو مكافحة الإرهاب، على أساس أن تحقيق كل ذلك يُعد الضمانة الحقيقية لمجابهة التطرف ومكافحة الإرهاب، وهذا فى إطار مظلة أمنية قوية تسهم فى تحقيق الأمان والاستقرار، وحماية حدود الأمن القومي للدولة فى مختلف اتجاهاته الاستراتيجية الحيوية، تنفذها باحترافية شديدة قواتها المسلحة الشريفة وشرطتها المدنية المنوط بها إنفاذ القانون، حماية للجبهة الداخلية وضمانًا لاستقرار واستمرار عملية التنمية.
فحقوق الإنسان يجب ألا تعيش بمعزل عن حقوق الدولة، وأن لا تنتقص من سيادتها، بل يجب أن تتعايش مع حقوق الدولة فى حماية أمنها القومي، والحق فى تحقيق أعلى معدلات الأمن والاستقرار للمواطنين ولعملية التنمية. كما لا ينبغي أن يتم فهم ما تتخذه الدولة من سياسات لتأمين جبهتها الداخلية خارج سياقه، وأن يكون هناك إدراك بأن أهداف حماية حقوق الإنسان لا تتضارب ولا تتعارض مع أهداف التدابير الفعالة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وكذلك بمحاولات المساس بسيادة الدول٠
تحقيق الأمن القومي ينبغي أن يفهم فى سياق تعزيز وحماية وتوفير السبل للحياة الكريمة للمواطنين. ففى الذكرى الرابعة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر فى باريس فى 10 ديسمبر 1948، وكانت مصر من أوائل الدول الموقعة له، يتصور لأي مدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الدول الغربية والعربية ألا يجتزئه فى مواده السياسية والحرياتية والقانونية، وأن يكون لديه الحرص على وضع مواده كاملة فى اعتباره، بما يكفل فى النهاية تحقيق مفهومه الشامل.
كذلك، لا ينبغي عليه أن يتوقف أمام الديمقراطية ويأخذ منها تطبيقاتها التمثيلية الانتخابية فقط، دون إعداد شامل للمشهد، ودون أن يدرك أنه قبل البحث عن الناخبين وحريتهم فى اختيار ممثليهم، فإنه ينبغي أن توجه التمويلات فى الأطر الشرعية لخلق مجتمع ديمقراطي فعال، مجتمع لديه من الوعي والثقافة والرفاهية مرتكزات تشجعه على المشاركة السياسية بدرجاتها المختلفة منذ تنشئته الأولى، مجتمع يتمتع بدرجات عالية من الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ذات الطبيعة الوطنية الخاصة، تلك التي تمكنه من أن يكون على درجة الرفاه والتقدم نفسها فى المجتمعات الغربية، مجتمع لا توجه التمويلات لداخله مرة أخرى عبر قنوات غير شرعية لإعادة إنتاج وعي زائف، سيقود حتمًا إلى مشاهد فوضوية تخريبية توجد دلائلها الواقعية فى الكثير من أراضي بلدان المنطقة الآن.
على الجميع إدراك أن تعظيم قدرة الدولة على حماية أمنها الداخلي والخارجي، مع تحقيق أعلى معدلات للتنمية الإنسانية الشاملة، وتطويع كل مقدرات الدولة لتطوير قواها الشاملة، بحيث يتم تأمين قدراتها على التقدم والازدهار، هو طريقها الوحيد لمواجهة الأزمات والتحديات والتهديدات والعدائيات المختلفة، بما يمكنها فى النهاية من تحقيق أهدافها القومية، الأمر الذي يقود فى النهاية للتكامل بين الأمن القومي ومقتضياته من جهة، والديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى. وأن الأمر ليس كما النموذج الذي تحاول من خلاله بعض القوى الغربية الإخلال بالأمن القومي واختراق سيادة الدول، عبر الاستخدام المُضلل للقيم النبيلة لحقوق الإنسان، وتوظيفها كرأس الحربة لاختراق الوعي الجمعي وتزييفه لشعوب هذه الدول. ولنفكر جميعًا، هل كل هذه المجتمعات الغربية تتوافر بها الديمقراطية؟، وتراعى بها حقوق الإنسان بالمعايير المثالية التي تتخطى بكثير حقوق المثلية التي يطالبوننا بالخضوع لها؟ يقينًا أن لكل دولة خصوصيتها وتجربتها التي ينبغي على الجميع احترامها بين الأمم٠
وعن مصر، فعلى الجميع تفهُّم أنها حريصة على أن تؤكد أنها دولة مدنية حديثة لها خصوصية تجربتها المستمدة من مكوناتها الثقافية والهوياتية والحضارية، التي تفرض عليها منظومة قيمية مختلفة فى رؤية حقوق الإنسان، ترتكز على الإطار الشامل والجامع لها، وأنها جمهورية جديدة ولدت منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الشعبية العظيمة -التي خلصَّت المصريين من شر سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي على الحكم- مرت بعدها البلاد بمرحلة انتقالية، إلى أن وضعت دستورها ٢٠١٤ وأجرت وفقًا لمواده ولوائحه استحقاقين انتخابيين رئاسيين ٢٠١٤، ٢٠١٨، واستحقاقين برلمانيين، الأول كان لغرفة تشريعية واحدة (مجلس النواب ٢٠١٥، والآخر لغرفتي مجلسي الشيوخ والنواب ٢٠٢٠، وذلك بعد إقرار نظام الغرفتين، وفقًا للتعديلات الدستورية عام ٢٠١٩). فبالإضافة إلى الحريات السياسية والقانونية والديمقراطية وحقوق الإنسان، على الغرب أن يدرك أن توفير التعليم الجيد، والمسكن الجيد، والعلاج الجيد، والوعي الجيد، والطرق الجيدة، ومدن المستقبل الذكية الجيدة، كل ذلك يعد أيضًا من حقوق الإنسان٠
ولا ينبغي فى هذا الخصوص أن نغفل أن المنطقة التي نعيش فيها منطقة مضطربة للغاية، ولا يمكن للمعايير الغربية أن يتم القياس بها على حالتنا، وأن أي تناول لحالة حقوق الإنسان فى مصر ينبغي أن ينطلق من منطلقات صحيحة فى البداية، يتم من خلالها رصد الإيجابيات والجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، واستعراض جهود التنمية والمشروعات العملاقة التي أنجزتها، خلال السنوات القليلة الماضية، دعمًا لقدراتها على توفير حياة كريمة للمواطنين، إضافة إلى جهدها فى مكافحة الهجرة غير الشرعية وما يرتبط بها من جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات، فضلًا عن جهود الدولة المصرية فى مكافحة التطرف والإرهاب، كل هذا مثلت مصر فيه حائط صد منيعًا أمام تزايد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تطول المجتمع الدولي، وهو ما سنحاول إبرازه فيما يلي.
التجربة المصرية:
فى حفل تدشين المشروع القومي «حياة كريمة» بتاريخ الخامس عشر من يوليو الماضي، أوضح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي نصًا فى كلمته ما يلي:
«إنني أجدد معكم العهد وأصدقكم الوعد بأن نبدأ جمهوريتنا الجديدة المولودة من رحم ثورتكم العظيمة فى ٣٠ يونيو عازمين على المضي قدمًا نحو المزيد من العمل والبناء ممتلكين القدرة الشاملة، مستمرين فى تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، داعمين المزيد من المساحات المشتركة بين أبناء الوطن، موفرين كافة السبل لشبابنا لتحقيق مستقبل يليق بهم فى وطنهم العظيم».
«ولقد كان يقيني صادقًا وثقتي فى محلها، حيث أثبت هذا الشعب الباسل أن عبقريته مسألة راسخة فى مكنون شخصيته. واستلهمت الشخصية المصرية عراقتها وقوتها وجذورها الحضارية وراحت تثبت للعالم كله قدرتها على صناعة المجد. لم تخش اقتحام التحديات ولم تيأس بفعل آلات إعلامية تسعى لإحباط العزائم ولم يثنها إرهاب غاشم عن أهدافها. كانت التحديات كبيرة ولكنها أبدًا لم تكن أكبر أو أقوى من إرادتنا على مواجهتها والعبور بالوطن نحو آفاق المستقبل».
«واجهنا موجة إرهاب عاتية، سالت دماء أبنائنا من رجال الجيش المصري العظيم والشرطة المصرية الباسلة. اقتحمنا مشكلات، وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود ببرنامج للإصلاح الاقتصادي كان بطله هو المواطن المصري الذي تحمل آثاره المباشرة على حياته اليومية متفهمًا أهمية هذه الإجراءات لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة كما أعدنا معًا بناء مؤسساتنا الوطنية الدستورية، وقد تشكلت الغرف التشريعية الممثلة للشعب المصري، وعلى التوازي كان السباق مع الزمن لبناء مصر المستقبل وتعظيم قدراتها وأصولها فكانت المشروعات القومية الكبرى رمزًا يعبر عن إرادة المصريين فى البناء».
«وما بين مدن جديدة، تتسع لكافة المصريين فى كل ربوع الوطن، وإسكان اجتماعي يوفر المسكن الملائم لشبابنا وتطوير للمناطق الخطرة وغير الآمنة للقضاء على العشوائيات، وتحديث شامل لشبكة الطرق القومية وزيادة للرقعة الزراعية، وصولًا اليوم إلى انطلاق مشروعنا القومي الأعظم لتنمية الريف المصري «حياة كريمة»، الذي نسعى من خلاله إلى رفع مستوى المعيشة لأكثر من أربعة آلاف وخمسمائة قرية وتوابعها، مستهدفين تحقيق تنمية مستدامة وتحسين جودة الحياة لحوالي ٥٨ مليون مواطن خلال السنوات الثلاث القادمة بموازنة تقارب الـ ٧٠٠ مليار جنيه أو يزيد».
«وإنني إذ أعلن اليوم، انطلاق هذا المشروع الطموح مستعينا على تنفيذه بالله وبثقتي فى قدرات المصريين –دولةً وشعبًا– فإنني اعتبره تدشينًا للجمهورية الجديدة، الجمهورية المصرية القائمة بثباتٍ ورسوخ على مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تمتلك القدرات الشاملة: عسكريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، واجتماعيًا، وتعلى مفهـوم المواطنة وقبول الآخر، وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وتتطلع لتنمية سياسية تحقق حيوية للمجتمع المصري قائمة على ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة والإنسانية».
«كما تسعى لبناء الإنسان المصري بناءً متكاملًا صحيًا وعقليًا وثقافيًا، إيمانًا بأن الإنسان المصري هو كنز هذا الوطن وأيقونة انتصاره ومجده. فمصر القوية، الحديثة، المدنية، الديمقراطية هي التي تليق بالمصريين وتعبر عن إرادتهم وتناسب تطلعاتهم وتمثل تضحياتهم».
الجدير بالذكر هنا أن «حياة كريمة» مشروع يتوافق مع كامل المعايير السبعة عشر التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة كمؤشرات ومقياس لعملية التنمية المستدامة فى بلدان العالم. من هنا، لم يكن مستغربًا أن يصدر تقرير التنمية البشرية عن مصر، الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بتاريخ 14 سبتمبر 2021، الذي سبقه بأيام إطلاق الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان يوم 11 سبتمبر كنتيجة لأعمال اللجنة الوطنية العليا الدائمة لحقوق الإنسان، لكي يكونا معًا محور الارتكاز للبنية الأساسية الداعمة لاحترام حقوق الإنسان، ويعكس حرص القيادة السياسية على الترجمة العملية للحقوق الدستورية لمفهوم حقوق الإنسان الشامل وفقًا للرؤية المصرية، وكذلك الاتفاقيات والمرجعيات الدولية، فى ظل حرص الحكومة على إعمال حقوق الإنسان كمكون محوري فى مشروعها التنموي الشامل فى رؤية مصر 2030، وبما يدعم مشروع مصر القومي فى هذا العصر «حياة كريمة» لكل مواطن مصري، وهو ما حرص الرئيس السيسي على تأكيده بإعلان عام 2022 هو عام المجتمع المدني. وفيما يلي استعراض لأهم محاور استراتيجية حقوق الإنسان:
إن الرؤية المصرية لحقوق الإنسان لخصها الرئيس السيسي فى كلمته، التي أوضح أنها تستند على عدد من المحاور الرئيسية، أبرزها:
أولًا– المبادئ الأساسية للرؤية المصرية لحقوق الإنسان:
– إنَّ كل الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات من جهة، وحق الفرد والمجتمع وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات من جهة أخرى.
– كما أن الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها يتحقق من خلال التشريعات والسياسات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات من إنفاذ تلك التشريعات والسياسات من جانب آخر، وهي الجوانب التي اهتمت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمراعاتها جميعا. فعلى صعيد التشريعات والسياسات العامة، تستند جهود الدولة إلى المبادئ والالتزامات الدستورية والقانونية، ولقد حقق الدستور نقلة نوعية كبيرة فى هذا الخصوص، إذ رسخ مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أي تمييز، وجعل تكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع.
– كما يكفل الدستور استقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية التي تضمن الإنفاذ الفعلي لمختلف الحقوق وتزخر البنية التشريعية المصرية بالعديد من الضمانات اللازمة لتعزيز واحترام حقوق الإنسان، فالجميع أمام القانون سواء.
– كما تؤكد الدولة المصرية التزامها باحترام وحماية الحق فى السلامة الجسدية والحرية الشخصية والممارسة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية والحق فى التقاضي، فمصر ترحب دوما بتعدد الآراء، بل اختلافها مادامت تراعي حريات الآخرين وتهدف من خلال نقد بناء وتشاركي إلى تحقيق ما هو أفضل لمصلحة مصر وشعبها.
– مصر لها مساهمة رائدة فى محيطها الإقليمي، فنًا وأدبًا وثقافة، ولطالما تبنت مصر ولا تزال حرية الفكر والإبداع والتعبير، مما أثمر مساهمة مصرية رائدة فى محيطها الإقليمي، فنًا وأدبًا وثقافة، بل أضحى هذا المجال يحظى بدعم مباشر من قيادة الدولة لتشجيع الكوادر العاملة فيه، كما توافر على التوازي اقتناعا راسخا بأهمية تعزيز جهود تحقيق العدالة الناجزة وكذا ضمانات المحاكمات العادلة.
– تبذل الدولة جهودا حثيثة ومستمرة لتأكيد قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز، كما تمتلك مصر بنية مؤسسية وطنية ثرية تعمل على تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان وتخضع للتطوير المستمر.
– لذا، تم إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان كإضافة مهمة من شأنها دعم وتعزيز العمل الوطني المنسق فى هذا المجال، وإلى جانبها توجد وحدات وإدارات مختصة بحقوق الإنسان فى كل الوزارات والمحافظات والجهات ذات الصلة.
– تضطلع المجالس القومية للمرأة والطفولة والأمومة والأشخاص ذوي القدرات الخاصة وأصحاب الهمم بأدوار رائدة فى مجال تعزيز حقوق تلك الفئات. كما أن المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتباره المؤسسة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان، وفقًا لصلاحياته فى إطار الدستور، يقوم بدور محوري وفاعل فى مجال ترسيخ المبادئ ذات الصلة ونشر الوعي بها ويقدم تقاريره السنوية للدولة.
– المجتمع المدني هو شريك أساسي مهم فى عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق الإنسان فى المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي، والإسهام فى جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم مجتمعنا المصري. ومما لا شك فيه أن إسهامات وإنجازات المجتمع المدني واضحة وشراكته مع الدولة لا غنى عنها. من هنا، تمت إعادة النظر فى قانون الجمعيات الأهلية السابق، وهو ما أثمر إصدار قانون ممارسة العمل الأهلي الجديد بما يتضمنه من تيسيرات وضمانات تعزز العمل الأهلي بعد حوار مجتمعي ضم 1300 منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية. ومع إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون، تبدأ مرحلة جديدة من الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني تقوم على أسس من التعاون واحترام القانون.
ثانيًا– إسهامات الدولة فى ملف الحقوق المدنية والسياسية:
– على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، فإننا نولي اهتمامًا خاصًا لتعزيز الحق فى المشاركة فى الحياة السياسية والعامة، باعتبار ذلك مكونًا مهمًا للنهوض بجميع مجالات حقوق الإنسان ويسهم فى ترسيخ دعائم الديمقراطية وسيادة القانون. ولتعزيز هذه الحقوق، تمّ وضع وتحديد العديد من التشريعات القانونية، وإنشاء عدد من الهيئات والكيانات المستقلة لتنظيم ممارسة هذه الحقوق وضمان التمتع بها، حيث شهدت الحياة السياسية والعامة فى مصر نشاطًا مكثفًا خلال الفترة الماضية تكلل بإنجاز كل الاستحقاقات الدستورية التي كفلت تعبير الشعب عن إرادته الحرة من خلال انتخابات رئاسية ونيايبة واضطلع ممثلو الشعب بمسئولياتهم فى التعبير الحر عن رؤيتهم لإنجاز المسيرة الوطنية وتقييم أداء السلطة التنفيذية، من خلال دورة برلمانية حافلة بالتفاعلات والانتماءات السياسية سعيا نحو تحقيق المصلحة العامة. كما تمّ استكمال مؤسساتنا التشريعية باستحداث مجلس الشيوخ وإجراء انتخاباته لكي يقوم بدوره، جنبًا إلى جنب مع مجلس النواب، وتم إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات ككيان مستقل ودائم يختص دون غيره بإدارة الانتخابات والاستفتاءات فى مختلف مراحلها، بما يضمن نزاهتها ويشجع على المشاركة السياسية.
– تمّ أيضًا وضع وتحديث العديد من التشريعات التي تضمن للمواطن المصري ممارسة حقوقه السياسية، ومن بينها قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون مجلس النواب، وقانون مجلس الشيوخ، وقانون الانتخابات الرئاسية، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي. وقد مثَّلت هذه القوانين نقلة مهمة ونوعية نحو تكريس وضمان ممارسة الحقوق والحريات السياسية.
– أما على مستوى حرية الدين والمعتقد، فمصر الدولة ذات التراث الديني الثري مستمرة فى بذل جهودها الحثيثة لتأكيد قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز. ولقد حققت الدولة المصرية تقدما مشهودًا لها فى هذا المجال ضمانا للمساواة بين أبناء الوطن الواحد فى الحقوق والواجبات. وليس أدل على ذلك من إصدار «قانون بناء وترميم الكنائس» الذي تمّ بموجبه تقنين أوضاع نحو 1800 كنيسة ومبنى تابع لها، كما تناغم وقوف مسجد الفتاح العليم، جنبا إلي جنب مع كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة كشاهدين على تلك الحدود والإنجازات.
ثالثًا– الرؤية التنموية المتكاملة للدولة «مصر 2030»:
– فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ترتكز الرؤية التنموية المتكاملة للدولة مصر 2030، على مفاهيم النمو الشامل والمستدام والمتوازن بما يتيح التوزيع العادل لفوائد التنمية، وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعي لكل الفئات، وضمان حقوق الأجيال الحالية والقادمة فى استخدام الموارد. ويعكس حجم الإنجازات التي حققناها فى السنوات التسع الماضية من خلال المشروعات القومية الكبرى فى كل ربوع مصر القدرات الوطنية، سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ، فضلًا عن حسن توجيه وإدارة الموارد المتنوعة، للوصول إلى أعلى مستويات التنمية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على مستوى إنفاذ الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، خاصة فيما يتعلق بالحق فى السكن الملائم، والرعاية الصحية المناسبة، والعمل المنتظم، والغذاء الصحي، ومياه الشرب النقية، والصرف الصحي المتطور والتعليم الجيد.
– كذلك اهتمت الدولة بشكل خاص بتدابير الحماية الاجتماعية لدى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بهدف تخفيف آثاره على محدودي الدخل، من خلال العديد من المبادرات، وأبرزها مبادرة «تكافل وكرامة»، و«حياة كريمة» التي تحولت لمشروع قومي لتنمية قرى الريف المصري الذي يسكنه أكثر من نصف سكان مصر، وغيره من المبادرات. واستطاعت مصر أن تخطو خطوات كبرى نحو تحقيق المساواة وتمكين المرأة، حيث حصلت على 128 مقعدًا، من مقاعد مجلس النواب فى انتخابات عام 2021 بنسبة تجاوزت 28%، وأضحت المرأة المصرية قاضية ووزيرة بمجموع 8 وزيرات فى حكومة واحدة لأول مرة بنسبة تقترب من 25%، فضلًا عن عدم التمييز فى الأجر بناء على النوع، كما وضعت الدولة استراتيجية 2030 الخاصة بتمكين المرأة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيًا، كما أولت الدولة رعاية لحقوق الطفل وأصحاب الهمم، فلدينا إرادة سياسية قوية داعمة لقضايا تلك الفئات الأولى بالرعاية ولا ندخر جهدًا فى سبيل تحقيق آمالهم وتطلعاتهم، وهو ما تجلت آثاره فى ترجمة الحقوق الدستورية المكفولة لهم فى سياسات واستراتيجيات عديدة.
– أما الشباب، فلقد حرصت الدولة على رعايتهم وتنمية قدراتهم، وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، وحرصنا على توفير المحافل المناسبة لذلك، وفى القلب منها «منتدى شباب العالم»، الذي تحرص مصر على تنظيمه بشكل سنوي، ونأمل فى استئنافه قريبا عقب جائحة كورونا، كما اهتمت الدولة بإعداد الكوادر الشابة القادرة على تحمل المسئوليات الوطنية، وجاء إنشاء الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب حيث أصبح الشباب يشاركون فى خطط التنمية، وأصبح بعضهم نواب وزراء ونوابا فى البرلمان.
رابعًا– تكليفات اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان:
إن هذه الاستراتيجية الوطنية الأولى نابعة من إرادة مصرية تؤمن بتحقيق التكامل فى الارتقاء بالمجتمع، التي لا يمكن أن تكتمل دون الاهتمام بمحاور حقوق الإنسان وفقًا لمفهومنا الشامل لها. ولهذا، وجه الرئيس اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان بمواصلة تنفيذ التكليفات الموكلة لها، كما كلف الحكومة باتخاذ جميع الخطوات التي من شأنها تعزيز ذلك، على رأسها ما يلي:
– مواصلة جهود دمج أهداف ومبادئ حقوق الإنسان فى السياسات العامة للدولة، وفى إطار تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030.
– دعوة الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالاهتمام بإثراء التجربة السياسية المصرية، وبناء الكوادر المدربة من خلال توسيع دائرة المشاركة والتعبير عن الرأي فى مناخ من التفاعل الخلاق والحوار الموضوعي.
– ضمان التوزيع العادل لثمار التنمية، وحق كل شخص فى التمتع بمستوى معيشي ملائم له ولأسرته، بما يوفر لهم ما يفى من احتياجاتهم الأساسية.
– تعزيز التواصل مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني وتقديم كل التسهيلات للتنفيذ الفعال لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي ولائحته التنفيذية، لإتاحة المناخ الملائم لهم للعمل كشريك أساسي للتنمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجتمع.
– الحرص لدى تنفيذ الرؤية المتكاملة للإصلاح الإداري على بناء جهاز إداري كفء وفعال يتبع آليات الحكم الرشيد، ويخضع للمساءلة، وينال استحسان المواطنين لمستوى الخدمات المقدمة لهم، ويتسم بالكفاءة والعدالة وعدم التمييز.
– تطوير منظومة تلقي ومتابعة الشكاوى فى مجال حقوق الإنسان للاستجابة السريعة والفعالة لأي شكاوى، والتواصل الفعال مع جهات الاختصاص لذلك بشأنها.
– تكثيف الجهود الوطنية لبناء القدرات والتدريب فى مجال حقوق الإنسان.
– إعلان عام 2022 عامًا للمجتمع المدني، الذي يجب أن يعمل بجد واجتهاد، جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة فى كل المجالات، ونشر الوعي لثقافة حقوق الإنسان، والمساهمة فى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصري العظيم. ومصر إذ تؤكد مجددًا بكل ذلك احترامها لجميع التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، فإن ما تنشده هو ضمان تمتع المجتمع المصري بحقوقه كاملة، بما يضمن للوطن أمنه واستقراره، الأمر الذي يستلزم المزيد من الجهد الصادق والعمل الدءوب لتعزيز مسيرة حقوق الإنسان فأبناء مصر يستحقون الأفضل دائمًا.
ختامًا، نجد أنه فى ديسمبر 2020، أثارت إجابة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عن أحد الأسئلة الموجهة إليه، فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الفرنسى ماكرون، تساؤلًا يطرحه العديد من المفكرين والمنظِّرين فى نظم الحكم على مستوى العالم يتعلق بإشكالية العلاقة والحدود الفاصلة بين الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان من جهة، والحقوق السيادية للدول من جهة أخرى، وهى الإشكالية الأجدر بالبحث والتأصيل من قبل خبراء وأساتذة نظم الحكم فى الدول العربية، والإفريقية، والآسيوية، التى لا تتوافق بالضرورة مع المعايير الكاملة للديمقراطية الليبرالية الغربية، بغية التوصل لتأطير مختلف يعالج طبيعة نظم الحكم بها، والتى تراعى أولوياتها الوطنية، ذات الخصوصية الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والسياسية المعبرة عن معتقدات مجتمعاتها وهوياتها الحضارية، بما يقودها فى النهاية لتحقيق مصلحتها القومية، المتمثلة فى بلوغ أعلى معدلات التنمية الإنسانية المستدامة العادلة، وحفظ وصون أمنها القومي٠
ولا ينبغي فى هذا الخصوص أن نغفل أن المنطقة التي نعيش فيها منطقة مضطربة للغاية، ولا يمكن للمعايير الغربية أن يتم القياس بها على حالتنا، وأن أي تقرير يصدر بشأن حالة حقوق الإنسان فى مصر، مثل الذي أصدره البرلمان الأوروبي، ينبغي أن ينطلق من منطلقات صحيحة فى البداية، يتم من خلالها رصد الإيجابيات والجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، واستعراض جهود التنمية والمشروعات العملاقة التي أنجزتها، خلال السنوات القليلة الماضية، دعمًا لقدراتها على توفير حياة كريمة للمواطنين، إضافة إلى جهدها فى مكافحة الهجرة غير الشرعية وما يرتبط بها من جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات، فضلًا عن جهود الدولة المصرية فى مكافحة التطرف والإرهاب، كل هذا مثلت مصر فيه حائط صد منيعًا أمام تزايد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تطول المجتمع الأوروبي، وهي فى ذلك لم تسع إلى متاجرة أو مزايدة، وإنما كانت تتعامل بشرف فى زمن يبدو أنه انعدم فيه هذا الشرف٠
فمصر دولة كبيرة ومستقرة، وعدد سكانها ضخم، وتستطيع أن تحقق الاستقرار فى باقي دول المنطقة والإقليم، وأن تكون النواة لنشر القيم الحقيقية للتعايش السلمي الذي يحترم حقوق الإنسان بمفهومه الشامل، ولا ينتقص من سيادتها أو يهدد أمنها القومي. وحال تقييم وضعية حقوق الإنسان بها، ينبغي أن يتم ذلك بالنظر للظروف التي تمر بها كل دول المنطقة من تفشي الإرهاب، الذي يمكن أن يقوض كل مقومات التنمية، إضافة لما فرضته جائحة كوفيد-19 ثم الأزمة الروسية-الأوكرانية من تداعيات باتت تمثل تحديًا رئيسيًا أمام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات التضخم، وتوقف سلاسل الإمداد والتوريد، ناهيك عن اضطرابات الأسواق المالية، مما يمثل فى النهاية تهديدًا بأزمة اقتصادية عالمية، ستزداد خلالها معاناة دول الجنوب بما يهدد أمنها واستقرارها أكثر فأكثر. يقينًا، نحن دولة دستورية تحترم شعبها، وحريته، وحقوقه، فى ظل أوضاع قلقة ومضطربة تكاد أن تعصف بأمن الإقليم بل والعالم بأكمله. وينبغي على الغرب أن يضطلع بدوره فى الوقوف بجوار الدول النامية لجدولة ديونها بما يراعي الأزمة الاقتصادية العالمية، لا أن يعمق من آثارها عبر الضغط من خلال تبني مثل هذه النوعية من التقارير المسيسة، التي لا تخدم غير أغراض القائمين عليها.
إن مراجعة دقيقة للإطار الدستوري والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (مصر 2030)، تكشف عن أنهما يقدمان الأساس المطلوب للتعامل مع قضية الحماية الاجتماعية من منظور شامل، تتلخص غايته النهائية فى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الانتقال من الحماية للعدالة عبر التمكين، والعمل على توسيع خيارات المواطنين من خلال تعزيز قدراتهم وتمكينهم من النفاذ للأصول والموارد. وتتعدد وتتدرج وظائف الحماية الاجتماعية لتشمل التالي:
الوظيفة الحمائية Protective: من خلال تخفيف الشعور بالحرمان عن طريق تقديم الدعم النقدي والعيني للفئات التي تعاني الحرمان، وتقترب هذه الوظيفة من فكرة الإغاثة.
الوظيفة الوقائية Preventive: من خلال تجنب الوقوع فى أسر الحرمان، بتوسيع شبكات التأمينات والضمان الاجتماعي وأنظمة الادخار وصناديقه.
الوظيفة التعزيزية Promotive: من خلال تعزيز القدرات والتمكين، بما يؤدي إلى الحصول على دخل، مثل برامج الأشغال العامة وغيرها من برامج عمل السوق النشطة.
الوظيفة التحويلية Transformative: إذ يجري التدرج نحو الإنصاف والشمول والتمكين.
يمثل كل ذلك الإطار المفاهيمي الذي اعتمد عليه تقرير التنمية البشرية المصري 2021، والذي يوضح مسيرة الدولة خلال العقد الماضي، ويحلل تطورها بإلقاء الضوء على محفزات التنمية البشرية من منظور «الحق فى التنمية». وتبتغي السياسات الحكومية الاستفادة من الفرص المتاحة والبناء عليها لتعزيز الاستثمار فى رأس المال البشري. ولعل الإرادة السياسية القوية تأتي على رأس هذه الفرص. فهناك إرادة سياسية قوية للتطوير والتغيير فى الخدمات الأساسية، سواء فيما يتعلق بالتعليم، أو الصحة، أو النقل، أو السكن اللائق.
نخلص مما سبق، أن مصر عندما امتلكت القدرة وتوفر لمتخذ القرار الرؤية الاستراتيجية والإرادة فى تنفيذها، قد تمكنت من تقديم نموذج تنموي يعتبر هو الأكثر إلهامًا للعديد من الدول التي مرت بظروف شبيهة أو أكثر قسوة مما مرت به مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2013. والأرقام والمؤشرات والاستراتيجيات وما ورد بها من تكليفات، تشير إلى أن الدولة المصرية تعمل وفق برنامج مؤسسي ومنهجي لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وأضافت لها من مكونات ورؤية متخذ القرار بعدًا آخر هو أن تكون عادلة، ومن ثم فإنها لا تهتم فقط بالتنمية العمرانية، لكنها تهتم ببناء الإنسان كمكون رئيسي، وأنها حققت عبر سياسة «الرد على الأرض» إنجازات أشادت بها معظم المنظمات والمؤسسات الدولية. إضافة للاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان المتضمنة فى الاستراتيجية التنموية «مصر 2030»، التي تقدم البرهان العملي وتقطع الشك باليقين أن «الجمهورية الجديدة» أعلت من شأن الإنسان المصري، فى الوقت ذاته الذي كانت فيه حريصة على تحديث وعصرنة البنية الأساسية والخدمات بها، وذلك بما يليق بكرامة الإنسان المصري الذي طالما عايروه بفقره، وفقًا لإدراك متخذ القرار ومؤسسات الدولة للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان، وهو ما يُمكن «الشخصية المصرية» من أن تعبر عن نفسها، وأن تستعيد بريقها لمواجهة تحديات ما بعد العصر الرقمي الذكي. فقد آن لنا أن تصل رسالتنا للعالم، بحيث يتفهم الجميع أن لدينا حقوقًا لها مكون شامل يعتمد على الهوية الحضارية المصرية، والتي تتجاوز فى عمرها وبنيتها تواريخ دول ما زالت مصرة على العنصرية الشديدة لتطبيق مفهومها القسري عن حقوق الإنسان.