ينفرد موقع عربى ووتش بنشر كلمة عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الأنسان فى مؤتمر اللامساواة والتصدي لإشكالياتها
نحو بناء عقد اجتماعي جديد والتى عرضها خلال كلمته امام مؤتمر “حقوق الإنسان.. بناء عالم ما بعد الجائحة” والذى نظمة المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم فى القاهرة .
والى نص الورقة
مقدمة:
إن تزايد اللامساواة يعد من أخطر المشاكل التي تواجهنا في العصر الحالي، وأهمها على الإطلاق؛ فبالرغم من التقدم الاقتصادي؛ إلا أن الجميع لم يتمتع بالمكاسب بشكل متساوٍ أو عادل، أو حتى التمتع بالفرص نفسها؛ خاصةً في المكانة والحقوق والفرص” . وتعد اللامساواة من القضايا التي شغلت حيزًا كبيرًا في الفلسفة، وتأتي في صميم نظريات العدالة الاجتماعية؛ فهي تسبب جدلًا واسعًا؛ لأنها تعني أشياءً مختلفة في سياقات مختلفة.
وتؤكد المواثيق الدولية والتي منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ المساواة؛ حيث ورد فيه أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر. وتنقسم اللامساواة إلى نوعين أساسيين؛ هما: اللامساواة الأفقية والتي تحدث غالبًا ثقافيًا واجتماعيًا بين جماعات محددة بسبب نوع الجنس أو الأصل العرقي أو الدين، بينما اللامساواة الرأسية تحدث اقتصاديًا بين الأفراد بسبب توزيع الدخل العام أو الثروة الاقتصادية.
الحاجة إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
اشتمل الدستور المصري علي العديد من المواد التي تضمن تطبيق مبدأ المساواة في المجتمع؛ حيث تنص المادة الثامنة على أن: “يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي؛ بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون”، وتلزم المادة التاسعة منه الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وفيما يخص الحق في الضمان الاجتماعي؛ فقد أشار الدستور في مادته السابعة عشر على أن: “تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى، ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة”. كما نص الدستور في الفقرة الثالثة من المادة السابعةوالعشرين على أن: “يلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر؛ وفقًا للقانون”، وفي ذات السياق تشير المادة الثامنة والثلاثون إلى هدف النظام الضريبي التي تحدده في تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
وبالرغم من أن الدستور المصري قد كفل في مواده السابقة كافة مقومات المساواة في المجتمع وبجميع أشكاله؛ إلا أن التغيرات الدولية والمحلية التي طرأت على العالم وعلى مصر؛ ومن أهمها وباء كورونا المستجد الذي يدعونا إلى إعادة النظر في خلق وتعزيز السياسات الاقتصادية والاجتماعية لحماية الأفراد الأكثر تضررًا؛ حيث إن جائحة كورونا وإن كانت قد أصابت الجميع؛ إلا أنها لم تصب الجميع بشكل متساوي؛ فنجد أن الفئات الأشد فقرًا وضعفًا كانت الأكثر تضررًا؛ حيث تحملت العبء الأكبر من التبعات السلبية للوباء؛ حيث فقد أغلب تلك الفئات عملهم ومصدر رزقهم جراء ذلك الوباء، مما ادي الي زيادة فجوة اللامساواة في المجتمع وتركز الثروات في أيدي قلة قليلة على حساب الفئات الأكثر حاجة، كما أدى كذلك إلى ترسيخ الأنماط القائمة للتمييز؛ مما يدعونا إلى ترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحماية الفئات الأكثر عرضة للضرر.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى ضرورة خلق عقد اجتماعي جديد. ويمكن تحديد مفهوم العقد الاجتماعي على أنه اتفاق ضمني يحدد العلاقة بين الحكومة والمواطنين أو بين مجموعات مختلفة من السكان، ويعكس العقد الاجتماعي بشكل أساسي فهمًا مشتركًا لكيفية توزيع السلطة والموارد من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، ينعكس هذا الفهم خلال أبعاد موضوعية وإجرائية؛ حيث يتعلق البعد الموضوعي للعقد الاجتماعي بالطريقة التي يتم بها تأطير الأهداف المشتركة، مثل المساواة والإنصاف والحرية والأمن، وتحديد أولوياتها في المجتمع، بينما يتعلق البعد الإجرائي بالمؤسسات والإجراءات المستخدمة لتشكيل وإضفاء الشرعية على هذا الفهم المشترك. وتتمثل فعالية وأهمية العقد الاجتماعي في كيفية تكيفه مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة؛ فعندما يمر العالم بتغييرات عميقة، تتزايد التوترات وتهدد بتقويض العقد الاجتماعي القائم، وتأتي الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد؛ يشتمل ويعالج تلك المتغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة.
أهم المتغيرات المستحدثة التي تدعونا إلى إنشاء عقد اجتماعي جديد هو فيروس كورونا المستجد؛ الذي أدى إلى تعميق أوجه اللامساواة القائمة؛ وهو ما حاولت الدولة المصرية القيام به من خلال تقديم سياسات تهدف في الأساس إلى حماية الفئات الأشد تضررًا من خلال برامج اجتماعية واقتصادية وثقافية؛ كبرنامج “وعي للتنمية المجتمعية”، وبرنامج “تكافل وكرامة”، وبرنامج “سكن كريم”، وبرنامج “أطفال بلا مأوى”، برنامج “تنمية الطفولة المبكرة”، وبرنامج “مودة”. كما قامت الدولة بالعديد من الحملات التي تهدف إلى زيادة الوعي حول الأمراض المنتشرة في المجتمع المصري، وكيفية الوقاية منها، وتوفير العلاج المناسب لها؛ وتتمثل تلك الحملات في حملة المليون صحة، ومبادرة 100 مليون صحة لعلاج الأمراض السارية، وآليات مجابهة فيروس كورونا. كما كثّفت الحكومة المصرية مجهوداتها لتحقيق التطوير والتنمية؛ وذلك لضمان توفير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لكافة المواطنين؛ وأخصها الحق في السكن الملائم وفي الصحة الجيدة، وذلك في محاولة منها للتغلب على جميع التحديات والسلبيات التي تؤثر على حياة المواطنين المصريين وعلى حقهم في عيش حياة آمنة وكريمة؛ فقد تم تطوير العديد من المناطق العشوائية بمختلف محافظات الجمهورية، وذلك بالارتقاء بمستوى كافة الخدمات المقدمة، فيما يتعلق بتوفير شبكات واسعة وعالية الجودة من المرافق الخدمية المتعلقة بالصرف الصحي والكهرباء والمياه والتعليم وغيرها من الخدمات.
سمات العقد الاجتماعي الجديد؛ أوجه ترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
يجب أن يقوم العقد الاجتماعي الجديد على الاتفاق بين ثلاثة أطراف رئيسية؛ لا طرفان كما كان الأمر سابقًا، فبدلًا من الاقتصار على العلاقة بين الدولة والمواطن، يجب إشراك المجتمع المدني كطرف أساسي وفعال في العقد الاجتماعي الجديد، كما يجب أن يقوم العقد على التفاعل بين أولئك الأطراف الثلاثة؛ لتحقيق مبدأ المساواة وضمان أن كل الأطراف يتم تمثلها ولا يتم تهميش أي من فئات المجتمع، لضمان أن تأتي المساواة في أساس العقد الاجتماعي الجديد.
فيجب على الدولة لضمان مبدأ المساواة وترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحسين السياسات المتعلقة بالتوزيع العادل للدخل، الذي يسمح بأقصى تطبيق ممكن للحقوق؛ بما يتفق مع مبادئ عدم التمييز والمساواة؛ فتوزيع الدخل والثروة، والديناميكية السياسية المصاحبة له، يتطلب القيام بإعادة هيكلة النظم الضريبية والأجور؛ كزيادة الحد الأدني للأجور، بحيث يضمن عدم تركز الثروة في أيدي فئة محددة على حساب فئات أخرى.
هذا بالإضافة إلى ضرورة تعزيز المساواة في الحصول على الفرص المتساوية؛ مثل الفرص في التعليم والصحة والعمل اللائق؛ وذلك من خلال التوسع في بناء المدارس والجامعات في المحافظات المختلفة وخاصةً في محافظات الصعيد، بالإضافة إلى التوسع في إتاحة وخلق فرص عمل جديدة، مع ضرورة إنشاء دورات وبرامج تدريبية وتنموية للشباب في المناطق المختلفة؛ حتى يتم إتاحة فرص متكافئة في سوق العمل. كما يجب تعزيز الحقوق الاجتماعية؛ من خلال خلق برامج وسياسات جديدة؛ كاستحقاقات البطالة والإعانات لأصحاب الإعاقات البدنية والذهنية؛ بحيث يضمن تطبيق مبدأ المساواة بين الفئات المختلفة؛ وبالأخص الفئات الأكثر عرضة للضرر، وكذلك هناك ضرورة إلى التوسع في برامج التأمين الصحي الشامل والبرامج التي تهدف إلى تحسين المعاشات للعاملين في القطاع العام والخاص، وزيادة الاهتمام بحقوق المرأة؛ وخاصةً المرأة المعيلة والاهتمام بصياغة القوانين التي تراعي المرأة في ظروف العمل؛ من حيث توفير ساعات عمل مناسبة، وضمان معدل أجور متساوٍ.
يجب أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دورٌ قوي وفعال من ضمن السمات الرئيسية للعقد الاجتماعي الجديد؛ حيث يجب على المجتمع المدنى مساندة ودعم الدولة؛ للحد من اللامساواة وضمان توفير حياة عادلة لجميع المواطنين على حدٍ سواء، ويتمثل الدور الأهم للمجتمع المدني في التوعية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والقيام بحملات ومشاريع تهدف إلى توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم. كما أن للمجتمع المدني دورٌ هام في حماية حقوق الإنسان وتعزيزها؛ وذلك من خلال حث الحكومةلسن تشريعات تسعى إلى تعزيز المساواة ومبادئ حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الدور الأهم الذي تلعبه تلك المؤسسات، والذي يتمثل في الدور الرقابي ومناشدة الجهات المختصة والمعنية بالفئات التي يجب الاهتمام بها.
كما يجب في إطار العقد الاجتماعي الجديد أن يكون هناك دور ملحوظ للأفراد؛ يتمثل في دور رقابي لها على سياسات الدولة وكيفية تطبيقها لتلك السياسات، بالإضافة إلى تمتعهم بالصلاحيات التي تحد من نشوء ظاهرة عدم المساواة فيما بينهم، بالإضافة إلى ضرورة وجود دور فعال للأفراد في صنع السياسات والقرارات التي من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في تكافؤ الفرص بين الأفراد أو في توزيع الدخل أو أيًا ما يؤدي إلى تركز الثروة في أيدي فئة محددة.
الخاتمة:
إن ظاهرة عدم المساواة يمكن مواجهتها والقضاء عليها؛ من خلال تبني سياسات جديدة ترتكز على الأبعاد المختلفة التي تتسبب بشكل رئيسي لانعدام المساواة، هذا مع الأخذ في الاعتبار ظهور أشكال وأنماط جديدة من عدم المساواة، تتجاوز عدم المساواة في الدخل والثروة وذلك يتطلب سياسات تتجاوز الإصلاح الضريبي أو سياسات الحماية، ما يفرض ضرورة النظر إلى الأبعاد الأخرى المرتبطة بتوارث تلك الظاهرة على مستوى الأفراد والجماعات، والذي يشكل عقبة كبيرة أمام المضيّ قدمًا في الاستفادة من عوائد التنمية، والنمو الاقتصادي، ولذلك فإن المساواة تأتي في قلب العقد الاجتماعي الجديد الذي يبني سياسات ؛ تهدف إلى عدم تهميش أي من فئات المجتمع، وخلق فرص وإمكانيات تتيح لكافة الأفراد بأن تشارك في توثيق ذلك العقد، كما يفرض على الدولة ضمان ترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتحسين السياسات المتعلقة بالتوزيع العادل للدخل وتعزيز المساواة في الحصول على الفرص المتساوية في العمل والصحة والحياة الاجتماعية الملائمة، هذا بالإضافة إلى دور المجتمع المدني في هذا العقد بما له من سلطات رقابية وتعزيزية في المجتمع. العقد الاجتماعي الجديد يتمحور حول دور تفاعلي بين تلك الأطراف الثلاثة؛ بحيث يشارك الثلاثة في عملية صنع القرار، وترسيخ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصورة تضمن عدم تهميش أي من فئات المجتمع، وتتيح الفرص المتساوية للجميع على حدٍ سواء.