قبل نحو 55 عاما، بالتحديد عام 1956، في أعقاب نكبة فلسطين عام 1948 وفقدان المئات من العائلات الفلسطينية لمنازلهم، اضطرت نحو 28 عائلة إلى الانتقال إلى حي الشيخ جراح وبدء حياة جديدة بعد أن فقدوا منازلهم.
يقع حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في مدينة القدس، وتعود تسميته نسبة إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي، وعرف في ذلك الوقت بالجراح ولما كان صلاح الدين محرر القدس وطبيبه الخاص الذي عمل على مداواته من جراحه سمي الحي تيمنا باسمه قبل نحو 800 عام مضى.
وجاءت حرب 1948 وجزئت القدس، حيث كانت في ذلك الوقت تحت حكم الأردن، لذا جرى اتفاق آنذاك مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، على أن تتعهد الحكومة الأردنية بتوفير مساحة الحي من الأراضي ومنحها هبة إلى العائلات الفلسطينية البالغ عددهم 28 عائلة، على أن يكون دور وكالة “الغوث” في بناء وتشييد 28 منزلا، مقابل مبلغ مالي رمزي يتم دفعه بشكل دوري، حتى يتم تمليك كافة المنازل في غضون سنوات، إلا أن شيئا ما جرى غيّر الحاضر والمستقبل.
تبلغ مساحة حي الشيخ جراح 808 دونما، ويضم الحي نحو 2800 نسمة، وينقسم إلى جزأين، أحدهما فاره ويضم المطاعم والقنصليات والفنادق وآخر يعاني سوء البنية التحتية ويعيش قاطنيه من الفلسطينيين في معاناة.
عندما تم منح الأراضي إلى الـ 28 عائلة فلسطينية كانت مساحة المنزل الواحد تبلغ نحو 800 متر مربع، يتم بناء المنزل في مساحة لا تتعدى الـ 200 متر تنقسم على عائلتين وباقي المساحة يتم زراعتها وتزيينها. تفنن الفلسطينيون في بناء وهندسة منازلهم فأنشأوا منازل بهندسة ذات طابع خاص منحها الجمال المعماري الخاص، فضلا عن المساحات الخضراء التي كست الحي وزادته بهاء.
اندلعت حرب 1967 لتتغير قواعد اللعبة، لتتمكن إسرائيل من السيطرة على الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، ويبقى العائلات التي زادت إلى 38 عائلة دون سند ملكية للأرض وهو ما يعرضهم للتهجير منها في أي وقت، لتبدأ مرحلة جديدة من محاولة إثبات ملكيتها.
في عام 1972، لجأت طائفة السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل “اليهود الأشكناز”، إلى ساحات القضاء حول تملكهم للأرض منذ عام 1885، وأن العائلات الفلسطينية تملكت الأرض بوضع اليد، إلا أن القضاء أنصف العائلات الفلسطينية في ذلك الوقت.
وفي عام 1983 أعادت عائلات إسرائيلية رفع دعوى قضائية ضد 12 عائلة حول تملك أراضي منازلهم، لذا عمد فلسطينيون إلى محامي إسرائيلي ليترافع عنهم في ساحات القضاء الإسرائيلية، إلا أن المحامي اعترف بشكل ضمني بحق المستوطنين الإسرائيليين في الأرض مع الحفاظ على حق وجود الفلسطيني بعقد “مستأجر محمي” يدفعون مبالغ مالية لإسرائيليين.
استمر السجال القانوني بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدار عقود من الزمن وبقي الحال على ما هو عليه، لكن في عام 2008 أصدرت المحكمة الإسرائيلية قرارا بتمكين إحدى العائلات الإسرائيلية لأحد المنازل التابعة لعائلة الشيخ الكرد، أعقب ذلك قرارا آخر عام 2009 وتم إخلاء منازل عائلتي “حنون والغاوي”، وفي تلك الأيام يعاني نحو 12 عائلة أخرى من خطر التهجير لوجود قضايا قانونية يتم النظر فيها داخل المحاكم الإسرائيلية.
من جانبها أعلنت مفوضیة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن ما تفعله إسرائيل ضد الفلسطينيين من أهالى حى الشیخ جراح بالقدس الشرقیة، قد يرقى إلى «جرائم حرب».
وأكد المتحدث الإعلامى للمفوضية، روبرت كولفیل، عبر الاتصال المرئى من جنیف «أن القدس الشرقیة لا تزال جزءًا من الأراضى الفلسطینیة المحتلة ویسرى عليها القانون الدولى الإنسانى».
وشدد المتحدث، خلال مؤتمر صحفى، على «ضرورة احترام سلطة الاحتلال القائمة للممتلكات الخاصة فى الأراضى المحتلة، خاصة أنها محمیة من المصادرة».
وقال الاتحاد الأوروبى إن الوضع فيما يتعلق بإجلاء العائلات الفلسطينية فى حى الشيخ جراح ومناطق أخرى من القدس الشرقية، يثير القلق الشديد، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال غير قانونية، بموجب القانون الإنسانى الدولى، وتؤدى لتأجيج التوترات على الأرض.
وأكد المتحدث الرسمى باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية والأمن بيتر ستانو، فى بيان، أن العنف والتحريض أمر غير مقبول ويجب محاسبة الجناة من جميع الأطراف.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بلادها تشعر بقلق بالغ إزاء المواجهات الجارية فى القدس، وأضافت فى بيان أن «إراقة الدماء مقلقة بشكل خاص الآن فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان».
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية اقتحام السلطات الإسرائيلية المسجد الأقصى والاعتداء على المقدسيين والمُصلين الفلسطينيين.
وأكد السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية المصرية ، على الرفض الكامل لأى ممارسات غير قانونية تستهدف النيل من الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفسطينى، خاصة المتعلقة باستمرار سياسة الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية من خلال بناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائم منها أو مصادرة الأراضى أو تهجير الفلسطينيين، لما تمثله من انتهاك للقانون الدولى، وتقويض لفرص التوصل إلى حل الدولتين، وتهديد لركائز الأمن والاستقرار فى المنطقة.