أُصدرت التقارير الصحفية والبحثية وبعضها أوروبي تتساءل وتحلل سبب تعاطف الكثير من العرب تجاه بوتين وروسيا خاصة في مسألة الحرب علي أوكرانيا بعيداً عن المواقف الرسمية الدولية للدول التي لا دخل لها في مشاعر واراء الرأي العام العربي ….
لماذا يري كثير من العرب أن بوتين بطل وليس دكتاتور؟ ولماذا يشعر بالنصر الكثير من العرب مع حدوث أي انتصار عسكري أو تخطيطي لبوتين؟ هل هو استدعاء وحنين لعصر مضي ساند الاتحاد السوفيتي فيه قضايا الأمة العربية؟ أم هو شعور بالغضب والضغينة تجاه أمريكا والغرب؟ أم شعور بالكراهية تجاه الخريف العربي الذي دعمه وموله وخطط له الغرب؟ أو ربما تمرد علي ما يطلق عليه البعض التبعية لأمريكا؟
وبالتنقيب في أذهان الكثير من الأصدقاء من عدة جنسيات عربية وبقراءة عدد من التحليلات السياسية والنفسية استطعتُ معرفة بعض الأسباب التي دفعتهم للتعاطف مع القيصر:
- بطبيعة العرب الثقافية والحضارية والتاريخية يميلون للشخصية القوية الذكية للقائد العسكري صاحب القرار والكاريزما، وهو ما يفتقده أغلب رؤساء وحكام الغرب وهذا ما وجدوه في شخصية بوتين الفريدة وخلفيته المخابراتية العسكرية، لذلك ينتشر كثيراً علي مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالعرب مقاطع فيديو مصحوبة بتعليقات ومشاعر إيجابية للقاءات لبوتين التي تبرز قوته في إدارة البلاد وصرامته في التعامل مع مؤسسات الدولة الروسية ورجال الأعمال الروس، كما يتداولوا أيضاً مقاطع تبرز لياقته البدنية وقدراته الرياضية.
- هناك شعور قوي لدي الكثير من العرب بالحسرة تجاه ما حدث للعراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان وتونس نتيجة ما فعله الغرب في تلك الدول من بث سموم الفوضى الخلاقة التي دمرت الدول والجيوش والشعوب، وكادت مصر تسقط لولا إرادة الخالق ولولا وجود جيش قوي تصدي للمؤامرة الكبرى.
- “يوم علينا ويوم لينا” “الدنيا دواره” “كما تدين تدان ” بتلك الكلمات التي تتردد علي ألسنه الكثير من العرب يعلقون علي ما يحدث في أوكرانيا التي شاركت في غزو العراق وكانت عضوة في القوات متعددة الجنسيات في العراق (MNF-I) منذ ٢٠٠٤ حتي ٢٠٠٨ بقيادة أمريكا مما أسقط العراق في ثقب أسود حضاري وبئر من الصراعات والفوضى والخراب.
- دعم الغرب وتمويله للمعارضة المتطرفة السورية كالجيش السوري الحر وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وغيرهم من الجبهات المتطرفة التي تستكمل هدف ومسيرة داعش وتشاركهم في المعتقدات التكفيرية المتطرفة والنتيجة يراها الكفيف فيما أوت إليه سوريا الأن ويري بعض العرب أن لولا تدخل روسيا في سوريا واستطاعت أن توزان القوي لكانت فتكت أنياب الدواعش بكامل سوريا.
- يشعر الكثير من العرب بالنشوة من أي انتصار ضد حلف الناتو الذي دخل ليبيا وفتك بها دون وجهه حق من وجهه نظر الكثير، ودخولهم الدولة العراقية لتركيعها وهذا بخلاف ما فعله الناتو في سوريا وتقسيم يوغسلافيا إلي عدة دول دون الاستناد لأي قانون الدولي.
- غزو أمريكا للعراق بحجة “تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل” دون وجود أي شرعية دولية يستندون إليها ثم اعتذارهم عن القرار الخاطئ نتيجة تقارير استخبارية خاطئة بعد أن فات الأوان ودمرت العراق وكأن مصير الدولة لُعبه في أيدي في فيلم أكشن من إنتاج هوليود.
- روسيا هي من أوائل الدول التي اعترفت بإرادة الشعب المصري “ثورة٣٠ يونيو” وساندت مصر في تحركها ضد الجماعات المتأسلمون.
- لا ننكر أن لازال يشعر الكثير من العرب بالكراهية تجاه أتباع الديانة اليهودية ليس من باب العقيدة أو بسبب عنصريتهم تجاه الأخر ولكن لازال يربط الكثير من العرب بين اليهود كديانة وبين دولة الاحتلال المغتصبة للأرض العربية، ورئيس أوكرانيا فلاديمير زيلنيسكي يهودي وتشكل الجالية اليهودية في أوكرانيا ثالث أكبر جالية يهودية في أوروبا وخامس أكبر مجتمع يهودي في العالم وكما صرحت البرلمانية الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو من قبل أن ٨٠٪ من السلطة في أوكرانيا من اليهود ويعتبر بعض المحللين أن أوكرانيا هي الوطن البديل لليهود .
- وجهة النظر المسيطرة علي الشارع العربي بخلاف “بعض القلة” أن روسيا تدافع عن أمنها القومي والغرب هو من تحرش بها وحاول تهديد حدودها وهم من فعلوا كل شيء لإيصال روسيا للحديث والحوار بلغة البارود ،كما أن من حق أي دولة أن تدافع عن أمنها القومي من أي تهديدات سواء حدودية أو تهديداً لمواردها وهذا لا يعتبر تعدي علي سيادة الدول أو انتهاك للقوانين الدولية .
- يري الكثير من العرب أن موقف أمريكا والغرب مع أوكرانيا من تنصل للمسئولية لحليفتهم وتركها بين أنياب الدب الروسي ما هو إلا الحقيقة الغائبة عن طبيعة الغرب ووجههم الحقيقي المخفي في قناع القوة والسيطرة التي يحاولوا دائما تصدير صورتها في أذان الشعوب العربية، كما يروا أن لا أمان للحليف من التحالف معهم .
- هناك الكثير من الأسباب التي تجعل العرب يشعرون بمشاعر كريهة تجاه أمريكا وما يفعله بوتين الان ما هو إلا صفعة للدولة العظمي التي أُنهكت فقد بدأ تزايد هذا الشعور منذ انسحاب أمريكا من افغانيستان بصورة هزلية ضعيفة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وضعف الاتحاد أمام الأزمات الاقتصادية والصحية المتتالية.
- تصادم الأفكار والمعتقدات الغربية مع عادات وتقاليد العرب من دعم للمثليين وغيرها من الأفكار الغريبة تحت شعارات حقوقية التي حاول الغرب ولازال يحاول نشرها وفرضها في مُجتمعاتنا العربية في ظل تصدي لها من قبل الشعوب الرافضة لتلك الأفكار، كذلك شعارات الديموقراطية التي سقطت مع أول اختبار حقيقي في أمريكيا أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية وظهرت وجهه الديموقراطية الأمريكية الحقيقي.
- ظل العرب ينظرون إلي الأليات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بنظرة قوة وهيمنة وما يحدث في الأيام الأخيرة أسدل الستار عن قوة والإمكانيات الحقيقية لتلك الأليات الدولية ومدي تأثيرها.
- من صميم قناعات ومعتقدات الشعوب العربية أن الشخص الذي يعمل ليخدم مصالح الغرب دون النظر لمصلحة وطنة ما هو إلا “عميل” لذلك ينظر الكثير من العرب لرئيس أوكرانيا بانه عميل للغرب تم استخدامه للوصول لمصالحهم دون النظر لمصلحة بلادة.
العلاقات العربية الروسية متأصلة في الوجدان والذاكرة العربية مرتبطة بأحداث وعصور تاريخية في تاريخ العرب الحديث وأسباب المشاعر السلبية تجاه الغرب وأمريكا كثيره وهي أسباب منطقية مما يدفع الكثير من العرب للتعاطف مع روسيا وهو شعور طبيعي بعيداً عن المواقف الرسمية للدول والحكومات تجاه الأحداث، فما عاشه الوطن العربي في السنوات الأخيرة قاسي ومدمر ومزق الجسد العربي، فلماذا التعجب من الرأي العام العربي برغم أن ذلك الرأي لم يمنع تعاطفهم تجاه نساء وأطفال وضحايا الحرب من الاوكران التي لا دخل لهم في قرارات وخطط ورغبات اللاعبين الدوليين في ساحة الشطرنج المميتة في النظام العالمي؟