مقالات

هانى ابراهيم يكتب طبق الجيران للمحبة وتنمية الأعمال ‏

علي مدى اتساع العالم العربي إعتادت الشعوب أن تتبادل طبق الجيران أو طبق الخير أو ‏الطبق الدوار وهو بإختصار أن يقوم الجار بإعطاء جاره طبق قبيل الإفطار ملئ بالطعام أو ‏بحلويات الشهر الكريم فيعيده الأخر إليه ثاني يوم ملئ أيضا بالطعام أو الحلويات وهكذا … ‏تناقلت الأجيال هذه العادة المحمودة وظلت راسخة لعشرات السنين في وجدان البلدان العربية ‏وصارت أحد معالم الشهر الرمضاني بل أنها عادة حميدة إمتدت لأغلب الأعياد سواء ‏الإسلامية منها أو المسيحية وكلها لديها نفس المعنى “نشر المحبة بين الجيران” فالمثل ‏العربي يقول “الجار قبل الدار” وفي الميراث الديني يوصينا الرسول الكريم “بسابع جار” ‏ورقم سبعة في الإنجيل هو رمز الكمال فإذا الحديث الشريف لا يقصد الجار من واحد إلي ‏سبعة بل يقصد كل الجيران مهما إبتعدوا عنك ومهما كان عددهم! ‏
ظلت عادة طبق الجيران مترسخة في الريف المصري واستمرت وإندثرت في المدن حيث ‏زحام المدينة وكتلتها السكانية الكبيرة وجغرافيتها الممتدة وعاداتها التي تفتقد للأصالة كما ‏يعرفها أهل القرية … لكن الحكاية بذخت من جديد في بعض المدن الجديدة وإتخذت من ‏أصالة الماضي إسلوبا مع توظيف أدوات العصر وقواعد المدينة ليعود طبق الجيران من ‏جديد بنكهته المليئة بالمحبة وبروحه الداعمة لتنمية الأعمال الصغيرة التي تناسب مفاهيم ‏المدينة. ‏
في مدينة العبور – حيث أسكن – بادرت سيدتين لإعادة إحياء الفكرة ونشرها في المدينة ‏وهما الاستاذة / ياسمين عماد والدكتورة / آلاء زلط المؤسس الشريك في جروب “عبور ‏بايتس ‏Obour Bites‏”. من خلال مجموعتها علي الفيسبوك‏‎ ‎‏ والتي يزيد عدد أعضائها علي ‏ثمانية آلاف عضو وعضوة، طورت الدكتورة آلاء زلط الفكرة وإنطلقت بها ودعت الجروب ‏إلي تبني طبق الجيران كأداة تواصل بين الجيران في أحياء العبور التسعة في شهر رمضان ‏من العام 2020 حيث إنتشار فايروس كورونا أصاب الناس بالإحباط والمخاوف وجعل من ‏إلتزامهم بالبيت نمطا حياتيا غير محبب وهم المعروف عنهم حبهم للحياة والإنطلاق. ‏

سرعان ما إستجابت عضوات الجروب للمبادرة وتنوعت الاطباق ما بين الحلويات إلي ‏المكسرات إلي المحاشي واللحوم وكل ما هو معروف عن وجبات رمضان الكريم. في البداية ‏كانت السيدات تتنقل بسياراتهن لتوزيع طبق الجيران علي أحبابهن ثم تم توظيف شركات ‏الدليفري للقيام بالمهمة. هنا دخل عامل جديد وهو شركات الدليفري التي استفادت من طبق ‏الجيران في تنمية أعمالها بين سكان المدينة. ‏
في العام الثاني لطبق الجيران توسعت المبادرة فبدء يتم التعاقد مع صاحبات المطابخ ‏المنزلية التي تقوم بإعداد الوجبات منزليا كعمل لهن، وأصحاب المطاعم، ومحلات الحلوى ‏والبسكوت، ومحلات الهدايا خاصة المشغولات الفضية وأعمال الديكور … تطور طبق ‏الجيران ليشمل أشكال متنوعة من الهدايا التي تعبر بصدق عن رغبة الجميع في نشر المحبة ‏ومد جسور التواصل للتعارف وكسر قواعد المدينة والتغلب علي حصار كورونا … فصار ‏طبق الجيران بحق جسرا للمحبة وتنمية الأعمال. ‏
إنتشار مبادرة طبق الجيران في مدينة العبور أدى – بدون قصد – إلي تنمية الأعمال الصغيرة ‏فالمطابخ والمطاعم ومحلات الهدايا تم توظيفها، بل تم الإعتماد علي أصحاب هذه الأعمال ‏لكتابة رسائل المحبة من الجار إلي الجار وتغليف الهدايا والتعاقد مع شركات الدليفري ‏لتوصيل طبق الجيران من شمال العبور إلي جنوبها ومن شرقها إلي غربها … ‏

بٌعد أخر لطبق الجيران، فالشهر الكريم جاء هذا العام في ظل الصيام الكبير للمسيحيين فإذا ‏الطبق يراعي الصيام وينتقل من بيت لبيت أو من المطعم إلي البيت وهو يعرف معايير ‏الصيام وشروطه والأكل المسموح به … فطبق الجيران عابر للمكان وللدين وعابر للتقاليد ‏التي حرمت المصريين من المحبة التي إتصف بها المجتمع المصري علي مدى تاريخه لكنها ‏تعود من جديد بروح أصالة الماضي وفي ظل روح التسامح الكامنه داخل النفس البشرية ‏المصرية العريقة.

‏ ‏
*هانى ابراهيم مستشار السياسات العامة والمجتمع المدني وتنمية الأعمال الخاصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى